منذ التعديل الوزاري الأخير، برزت إلى السطح معطيات تكشف هشاشة التماسك الحكومي، وتظهر أن حكومة الوزير الأول المختار ولد أجاي لا تتحرك ككتلة متجانسة، بقدر ما تنشط كأذرع متصارعة لكل منها قطبه وأجندته الخاصة.
فذراع الوزير الأول يواجه نفوذ وزير الداخلية، بينما يشكل وزير الدفاع قطبا أقرب إلى الداخلية، ويعمل وزير الخارجية بدوره كفاعل مستقل في خارطة النفوذ. ومع كل قطب تدور مجموعة من الوزراء والمسؤولين الذين يُحسبون عليه، فتتحول معركة الإدارة التنفيذية إلى ساحة لتجاذب الولاءات أكثر منها فضاءً لتنفيذ السياسات العامة.
وزير الاقتصاد والمالية.. من الواجهة إلى التهميش
المثال الأبرز على هذه الصراعات تجلى في مسار وزير الاقتصاد والمالية السابق سيد أحمد ولد البوه. فبعد أن التحق بداية تحت يافطة الوزير الأول، سرعان ما تدحرج موقعه نحو دائرة وزير الداخلية. والنتيجة العقابية كانت تفتيت وزارته إلى قسمين، وتحويله إلى وزارة الزراعة، مع ترقية الوزير المنتدب عنده سابقًا، والذي تكن علاقتهما على مايرام إلى وزير المالية. خطوة قرأها مراقبون تصفية حسابات ونكاية بولد البوه أكثر منها عملية إصلاح مؤسسي.
الأخطر أن ولد البوه كان قد أطلق تصريحًا جريئًا حين انتقد امتلاك رجال الأعمال والمستوردين للبنوك، معتبرًا ذلك غير شرعي، لأن البنوك يفترض أن تمولهم لا أن تُدار من طرفهم. هذا التصريح، استغله بعض الخصوم وجعل منه عجلة دفعت بإزاحته من الواجهة المالية.
الصحة.. عودة إلى الوراء أم إصلاح مؤجل؟
على نحو مشابه، عرف قطاع الصحة تجاذبات لا تقل إثارة. فوزير الصحة المقال حاليا ول وديه ، أقال العام الماضي خلفه ولد اعل محمود من منصبه الاستشاري وجرده من جميع الامتيازات. لكن الأخير عاد اليوم وزيرًا للصحة، فهل يعيد هو الآخر إنتاج منطق "تصفية الحسابات" مع الطاقم الاستشاري والتنفيذي الذي اعتمد عليه سلفه ما سيضع مستقبل القطاع الصحي على المحك.
الحزب الحاكم.. ساحة المعركة المقبلة
غير أن هذه الصراعات الحكومية ليست إلا وجها من أوجه التجاذب الأوسع الذي قد ينتقل قريبًا إلى رئاسة الحزب الحاكم. بعد أن دخل رئيسه الحكومة الحالية
فمن سيتغلب على من؟ إذا ما انتُخب سيدي محمد ولد محم رئيسا للحزب فذلك يعني أن كفة ولد أجاي سترجح بلا شك،
لكن السيناريو الآخر يبقى مطروحًا حيث يمكن للنظام أن يختاار شخص من خارج المتصارعين، كحل وسط مثل الوزير الأو الأسبق ملاي محمد الاغظف لكن السؤوال عن مدى ، فهل صمود هذا الوجه الجديد أمام ضغط الأجنحة المتنافسة وإغراءاتها، التى ستجعله يلتحق سريعًا بأحد المعسكرين؟
أمام هذا المشهد، تتبدى إشكالية مركزية تذوب خلالها المصلحة العامة وتختفي وسط خضم التجاذبات وصراع المعسكرات؟ فهل يمكن لحكومة تتحرك بين الأذرع المتصارعة والولاءات المتشابكة أن تترجم أهدافها التنموية على أرض الواقع؟ أم أن ضجيج الصراعات سيبتلع كل حديث عن الإصلاح، تاركًا المواطن أسير انتظار لا ينتهي؟
إن التماسك الحكومي ليس رفاهًا سياسيًا، بل شرطًا ضروريًا لأي سياسة تنموية مستدامة. وحين تصبح القرارت رهينة للأقطاب المتنافسة، فإن التنمية تتحول إلى شعار للاستهلاك، بينما تظل مصالح الدولة والمجتمع في آخر سلم الأولويات.