مؤتمر تمكين الشباب: فقاعة بأكثر من مليار أوقية (افتتاحية)

في بلد تمضي نساؤه معظم أوقاتهن في الطوابير بحثا عن الماء والغذاء، وتضيء مئات آلاف أسره بيوتاتها بالشموع، ويقتطع سكانه العاديون من قوتهم اليومي لمواجهة أسعار تتضاعف بلا رادع، قررت الحكومة ممثلة في وزارة تمكين الشباب أن تهب لنجدة هذا الشعب وشبابه بشكل خاص من خلال الشروع الاستعجالي في تنظيم "المؤتمر الوطني لتمكين الشباب" بمراحله المحلية والجهوية والوطنية! على الأقل نحن أمام مشهد يكشف براعة بعض من يسمون وزراء في صناعة الوهم: قاعات مكيفة، ملصقات ملونة، شعارات معلبة عن "الابتكار" و"المشاركة الفاعلة"، بينما الواقع المعيش يزداد قسوة والبطالة تتمدد والهجرة تتحول إلى خيار خلاص فردي لمن يفترض أن يكونوا قاطرة المستقبل.

"المؤتمر الوطني لتمكين الشباب": تعبير فخم يوهم بضخامة المعنى، لكنه في جوهره مثال صارخ على اللغة الخشبية التي تملأ نوعا من الفراغات من دون أن تقدم مضمونا لائقا. فـ"المؤتمر" حدث عابر بطبيعته لا يترك أكثر من صور وبيانات، و"الوطني" تضخيم أخلاقي يتم استدعاؤه لتوفير شرعية رمزية زهيدة الكلفة، أما "التمكين" فمفهوم إنشائي غامض، يتطلب على الأقل إصلاحات ملموسة في التشغيل والتعليم والتمويل والخدمات الأساسية. بهذا المعنى، يظل العنوان نفسه مجرد مظلة لغوية فضفاضة تعطي الانطباع بأنها تسع كل شيء في حين أنها مجرد ذريعة لتبذير أكثر من مليار أوقية!

والمفارقة أن الوزارة اكتفت من دون الشعور بأدنى حرج، بإعادة إنتاج وصفة مشوهة استوردتها من جيراننا الأكثر اضطرابا؛ ففي باماكو، اختارت سلطة جاءت بالدبابة أن تحشد آلاف الشباب في "لواء المواطنة" لتستر عجزها عن تنظيم انتخابات أو حتى تحديد موعد لها، وفي واغادوغو، جرى استنساخ المعسكرات ذاتها باعتبارها بديلا عن صندوق اقتراع غائب ووسيلة لتلميع صورة سلطة انتقالية تسير فوق رمال متحركة. والحقيقة أن هناك في كلا البلدين ما يسوغ اللجوء إلى هذه "الهندسة الاستعراضية" كحيلة اضطرار، أما استنساخ معسكراتهم الشبابية لدينا فهو أمر يشي بأننا أما مشهد فائق العبثية يضطر فيه رئيس منتخب لمأموريتين دستوريتين، وهو في مأموريته الأخيرة، إلى أن يشرعن نسخة باهتة من "تمكين مستورد" يقوم على فلسفة إهانة الشباب وتدجينهم.

ولا يكمن الخطر هنا في إهدار الأموال العامة على حفلات شعارات عابرة فحسب، وإنما أيضا في تكريس قناعة راسخة لدى المواطنين بأن الدولة لم تعد سوى ماكينة استعراض لا تتقن أكثر من إنتاج الصور التافهة والبيانات الختامية، في ظل عجزها عن توفير أبسط مقومات العيش الكريم لمواطنيها. فما الذي سيبقى للشباب بعد انفضاض المؤتمر؟ بضع حقائب ورقية، وتوصيات مركونة في الأدراج، وصور جماعية تزين الحسابات الرسمية على شبكات التواصل الاجتماعي، أما العطش والظلام والبطالة فستظل كما هي عنيدة وشاهدة على بؤس الواقع وسط فقاعة الوهم.