محمد فال ولد الشيح يكتب ...القافلة المعتدى عليها

لم أكن أرغب في الحديث عما جرى لقافلة الصمود المغاربية لكسر الحصار التي منعتها السلطات في شرق ليبيا من الوصول إلى مصر ومنها إلى غزة، وذلك لاعتبارات عدة من أهمها أن  المشاركة في هذه القافلة عمل لله تعالى لا نريد منه جزاء ولا شكورا، وهو جهد المقل، لعلنا نعذر إلى الله من خذلاننا لإخواننا في غزة، فكل منع او تضييق أو إساءة يتعرض لها المرء في سبيل هدف نبيل كهذا تهون وتقصر ولا تستحق الذكر في ظل ما يتعلق له الشعب الفلسطيني من عدوان وحصار.
غير أنني لاحظت بعض التدوينات والتعليقات المسيئة والساخرة من القافلة، تارة بدعوى أنها كانت رحلة سياحية، وتارة بدعوى أنها جهد ضائع ليقين أصحابها أنه لن يسمح لهم بالوصول إلى معبر رفح.. 
ولعل قطع الاتصالات الذي عانت منه القافلة وتزامن منعها مع بدء العدوان على إيران ساهم في عدم الاطلاع على ما حصل لها من اعتداء تجاوز المنع والتحريض إلى الاستهداف المباشر بالاعتقال والضرب والاستفزاز ولولا عناية الله ثم حكمة القائمين على القافلة لنفذ المتربصون خططهم الاجرامية .
لقد ظن البعض أن ما حدث للقافلة مجرد منع لها من مواصلة سيرها، بسبب عدم الحصول على ترخيص ونحو ذلك، والواقع أن القافلة لم تمنع من مواصلة سيرها بل تعرضت للاعتداء السافر والحصار الآثم فقد اتخذت سلطات شرق ليبيا موقفا عدائيا من القافلة من لحظة وصولها ـ خلافا لما وعدت به خلال الاتصالات التي جرت معهم قبل انطلاق القافلة من تونس.
فقد أحكمت الحصار عليها من أول يوم وقطعت الاتصالات ومنعت دخول الماء والغذاء طيلة 3 أيام، قبل أن يتطور الموقف إلى الاعتداء على المشاركين فيها بالاختطاف والتنكيل، فضلا عن أنواع التهديد والاستفزاز .
ومع أن منسقي القافلة تواصلوا مع سلطات شرق ليبيا قبل الانطلاق من تونس وحصلوا على تطمينات من وزراء ومسؤولين ووسطاء بضمان مرور القافلة وحماية المشاركين فيها حتى وصولهم إلى الحدود المصرية، إلا أن هؤلاء نكصوا ونكثوا في وعودهم بعد وصول القافلة إلى المنطقة التي تسيطر عليها قوات شرق ليبيا، وتطور موقفهم من المنع والحصار والاستفزاز إلى التخطيط للاعتداء المادي على القافلة وارتكاب جريمة بحق المشاركين فيها .
وخلال لقاء لقادة القافلة مع مسؤولين في شرق ليبيا وجه لهم أحد قادة المليشيات تهديدا صريحا ورفع في وجههم السلاح مهددا بتفريق القافلة بقوة السلاح في غضون 24 ساعة إذا لم تعد أدراجها، وعندما عاد الوفد إلى القافلة كانت المجموعات المسلحة التابعة لحكومة شرق ليبيا قد بدأت بالفعل تنفيذ تهديدها، حتى قبل انتهاء المهلة التي حددتها، حيث اعتقلت نحو 14 مشاركا في القافلة وكادت تعتقل منسقها العام وائل نوار بعد محاولته مناقشتهم قبل أن تنقذه جماهير القافلة في آخر لحظة.
إنه لمشهد حزين ومؤلم أن يتم حصار قافلة مدنية إنسانية تضم نحو 1500 إنسان، ومنعهم الطعام والشراب وتهديدهم بالسلاح وتصويرهم بالمسيرات، ونشر الاتهامات الكاذبة بحقهم، لمجرد أنهم يسعون لتوصيل رسالة سلمية تضامنية مع شعب شقيق يتعرض لحرب إجرامية همجية.
يالها من فضيحة وعار أن يسمح هؤلاء لأنفسهم أن يكونوا أداة للصهاينة يمنعون حتى المتضامنين السلميين ويرفعون في وجههم السلاح وكأنهم قتلة أو مجرمون!
لقد وصلت المهانة بالأمة حدا لا يوصف ولا يكاد يصدق، لقد أوضحت القافلة عبر كل المتحدثين باسمها أنها غير معنية بأي موقف من الأنظمة السياسية، ولا تهدف إلى التدخل في أي نزاع في هذا البلد أو ذاك، وأنها غايتها إنسانية بحتة، وهي إظهار التضامن مع الشعب الفلسطيني والسعي للوصول إلى معبر رفح أقرب نقطة مع قطاع غزة لمحاولة كسر الحصار الجائر، كما أن القافلة وكل المشاركين فيها يحترمون الإجراءات القانونية المتعلقة بدخول الدول التي ستعبر منها ومستعدون لأي متطلبات إدارية في هذا الصدد.
لقد ضنت سلطات شرق ليبيا على القافلة والمشاركين فيها بأبسط حقوقهم، فلم ترفض دخول القافلة أوتطلب منها الرجوع بل نصبت لهم كمينا محكما وشرعت في ارتكاب جرائم بحق المشاركين في القافلة اعتقالا وتنكيلا وحرمانا من الطعام والشراب والاتصال، وكانت تخطط وفق المعلومات التي حصلت عليها القافلة لارتكاب مجزرة بحق 1500 إنسان من ضمنهم نساء وأطفال وكبار في السن، لا لخطر يمثلونه ولا لجريرة ارتكبوها وإنما بغيا وعدوانا وحقدا.
حينما اتضح لقيادة القافلة النيات السيئة لهؤلاء سعت لضمان سلامة المشاركين حتى يفوتوا الفرصة على المصطادين في المياه العكرة، فمعركتنا ليست مع هؤلاء والمشاركون في القافلة نشطاء مدنيون ومناضلون حقوقيون ومواطنون عاديون، ومعركتهم مع العدو الصهيوني، وليسوا في وارد الدخول في صراعات جانبية.
خلال رحلة المغادرة لم يترك هؤلاء القافلة وشأنها حيث اعتدوا على رموزها ومحاولوا اختطاف بعضهم كما جرى مع منسق القافلة التونسية وائل نوار، ومنسق القافلة الجزائرية مروان بوقطاية وعدد من النشطاء، وكانت مشاهد محزنة أمعن فيها هؤلاء ضربا وشتما وإساءة بحق مدنيين عزل، وكأنهم يثأرون من قاتل الحسين..
لو كانت لدينا دول تستشعر أدنى المسؤولية تجاه مواطنيها لتمت مواجهة حكومة شرق ليبيا بما صنعت من اعتداء واختطاف وإهانة لمواطنين عزل، طلبوا بكل احترام وتحضر المرور إلى دولة أخرى، ودخلوا البلد بطريقة نظامية رسمية.
بعد انسحاب القافلة 50 كيلا غربا انتظرت لإطلاق سراح معتقليها، ولولا إصرار القافلة على عدم مغادرة ليبيا إلا بعد إطلاق سراح المعتقلين لكان هؤلاء في خبر كان، فقد تم اختطاف أغلبهم من قبل مجموعات مسلحة بلباس مدني وادعت سلطات شرق ليبيا ابتداء أنهم ليسوا بحوزتها، قبل أن تفرج عنهم لاحقا بعد ضغوط مختلفة.
لقد أوصلت القافلة رسالتها الإنسانية الحضارية رغم كل شيء، وتحركت في حدود المتاح وأظهرت أن من يحاصر غزة ليس نتنياهو فقط ولا بن غفير..
إنه لمن الملهم أن تشاهد عائلات لبت نداء كسر الحصار وتحملت شظف العيش وقيظ الصيف نهارا وبرد الصحراء ليلا، لتوصل رسالة تضامن مع غزة ولتعيش ولو جزء بسيطا من معاناة سكان القطاع.
فالمجد لهؤلاء المتضامنين الأبطال والخزي والعار للصهاينة وأذنابهم.

محمد فال الشيخ