"عصر اللعاب" بعد الأمين… وجع فى الفقد ويتم فى الصحبة

لم ولن يكن رحيل الأمين حدثًا عابرًا في ذاكرة "عصر اللعّاب"، بل كان فاجعةً تركت في القلوب فراغًا لا يُسدّ ويتمًا لا يُجبر. منذ لحظة الفقد، بدا كل شيء مختلفًا؛ وجوه شاحبة ، و مجالس موحشة، وذكريات تثقل الصدر كلما حاولنا استحضارها. صار أفراد "العصر" كالمعزة المطيرة، متوشحين بالحزن والدموع، تجتاحهم موجة فقدٍ لا يوازيها سوى عمق المودة التي كانت تجمعهم بالفقيد.

لم نودّع في "عصر اللعّاب "رجلًا عاديًا، بل ودّعنا سندًا، ورفيق درب، ووجهًا باسماً، ونكات مضحكة. كان حضوره يطمئن، وكلامه يسند، وصمته يعلّم. ومن هنا جاء الحزن مضاعفًا؛ حزن الفراق، وحزن اليُتم بعده، وكأن شيئًا من الروح قد انكسر مع رحيله.

لكلّ واحدٍ منا مع الدكتور محمد الأمين محمد المصطفى (الأمين) حكاية لا تشبه غيرها  ضحكة صافية، موقف كرم، كلمة وعظ طرفة تُروى، أو علم يُستفاد منه. 
كان قريبًا من الجميع، يمنح كل من لقيه شعور الصديق الخالص، والأخ الصادق.

ولا غرابة أن عمت موريتانيا والعالم الإسلامي موجة حزن وألم؛ فالأمين لم يكن رجل دائرة ضيقة ولا حبيس محيط واحد  بل كان داعيةً مخبتًا، وشاعرًا مجيدًا، ومنشدًا جميلاً للنثر والشعر معًا. جمع الله له صفاء السريرة، وحسن السمت، وقبولًا في الأرض قلّ أن يجتمع.
فقد جمع الله فيه من الخصال الحميدة 
 ما تفرق في غيره عبر العصور 
وليس على الله بمستبعد أن يجمع العالم فى واحد 
فقد  كان ابو الانبياء ابراهيم الخليل  أمة قانتا لله حنيفا

عُرف  الفقيد بخصاله الحميدة منذ نعومة أظفاره  طاهر القلب دائم الوضوء، كثير القيام طويل التهجد  سخي الكف إلى أبعد الحدود. وكانت علاقته بالقرآن علاقة منهج  حياة؛ حفظه صغيرا ، وعاش معه وبه شابا   تلاه بخشوع وتأمله  بتدبر وعلمه الناس حلا وارتحالا

أما فكره وثقافته وعطاؤه، فهي هبة عظيمة جمعها خلال عمر قصير من حيث الطول عربضا من حيث العطاء الهادي : دعوة وتعليما ومساندة مريض وتفريج كربة فقير، وإدخال سرور على الحزين،

 

عاش أخانا الامينو عيشة غير عادية، ورحل رحيل من صدق ما عاهد الله عليه. خرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله، ليعلّم طلاب محظرته، فناده الأجل حيث القِبرالذي شاده بعمله  وزيّنه بفعاله :
فذك قبرك قد شيدته نزلا  فما نتظارك فلترحل على عجل

كانت وفود المعزّين، ودموع المصلّين، ودعاء المخبتين، أعظم عزاء لقلوبنا، وأصدق ما أعان على الصبر والاحتساب.

ما يفعل المرء بالتسعين تهرمه 
ان بلغته الثلاثين الذي طلبا

نسأل الله أن يرفعه  درجته في المهديين، وأن يخلفه في عقبه في الغابرين، وألا يريه مكروهًا بعدنا، ولا يرينا مكروهًا بعده، وأن يبارك في ذريته، ويخفف عن والديه ومحبيه.

رحمك الله يا أمين، و ابقي أثرك حيًا في الغابرين. 
ان العين لتدمع وإن القلب ليخشع وإنا فى "العصر "على فراقك ياظريفنا وطريفنا لمحزونون

وإنا لله وإنا إليه راجعون