جاء في المؤتمر الصحفي الذي تلي تقديم رئيس محكمة الحساب لتقرير المحكمة عن سنوات 2022 و2023 إلى رئيس الجمهورية أن التقرير يتضمن بعض أخطاء التسيير التي طالت بعض القطاعات.
وحيث إن الأمر يتعلق بأخطاء التسيير فإنه يتعين معرفة طبيعة الخطأ التسييري والآثار التي قد تترتب عليه.
فبالنظر إلى نص المادة 4 من القانون الجنائي الموريتاني فإنه لكي تترتب على الخطأ التسييري متابعة وعقوبة، ينبغي تجريم الخطأ التسييري بنص صريح سابق على إعداد تقرير محكمة الحسابات ليتسنى الحديث عن إمكانية المتابعة والعقوبة عند الاقتضاء.
وبالنظر إلى قانون مكافحة الفساد نجد أن المواد الناظمة له لم تتطرق بصريح العبارة إلى الخطأ التسييري على انه جريمة يعاقب عليها.
وأمام هذه الوضعية يقتضي واقع الحال التعاطي مع مفهوم الخطأ التسييري لمعرفة الأثر المترتب على الاشتباه الذي كان المشمولين بالتقرير محلا له، والذين تمت عقوبتهم إداريا قبل ذلك بالإقالة من وظائفهم، وهل يجوز الجمع بين العقوبتين وإذا ثبتت براءة المشتبه فيهم كيف سيتم التعاطي معهم في المستقبل.
ففي الفقه القانوني يشير مفهوم "الخطأ التسييري" إلى إخلال مسؤول عن الإدارة بواجباته المهنية، سواء كان ذلك بسبب إهمال، أو سوء تقدير، أو عدم اتباع القوانين والإجراءات، مما يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمؤسسة أو الأفراد. ويمكن أن يتخذ هذا الخطأ شكل إجراء سلبي أو إيجابي، وهو ما يستدعي مسؤولية مدنية أو جزائية حسب خطورته وظروفه.
ويمكن حصر الصور الشائعة للخطأ التسييري في:
~ الإهمال: عدم الإشراف الكافي أو ترك المسؤوليات دون متابعة.
~ سوء التقدير: اتخاذ قرارات غير مدروسة أو خاطئة.
~ التبديد: إنفاق أموال المؤسسة في أمور غير ضرورية أو مبررة.
~ المحاباة: توظيف أفراد أو التعاقد مع جهات خارج الإجراءات القانونية.
~ خرق الأنظمة: عدم احترام النصوص القانونية واللوائح التنظيمية،
وبما أن الخطأ التسييري هو الصورة النمطية والعملية للخطأ المهني، فإنه يتعين معرفة الخطأ المهني لتبيان وإمكانية إسقاط ما جرى عليه واعتباره من أخطاء التسيير.
يعرف الفقيه القانوني André De Laubader الخطأ المهني بأنه" كل عمل يرتكبه الموظف أثناء ممارسة أو بمناسبة ممارسة الوظيفة ويعرضه لجزاء تأديبي، ويعرفه الفقيه Duguit بأنه " كل عمل يقوم به الموظف يخالف للالتزامات الخاصة التي تفرضها عليه وظيفته. وانطلاق من ذلك يتعين تحديد الأفعال المنسوبة إلى المعنيين من أجل تكييفها على أنها أخطاء مهنية أو أخطاء في التسيير.
وفي هذا الشأن نصت المادة 12 من قانون الوظيفة العمومية أنه يتعرض الموظف لعقوبة تأديبية، فضلا عن العقوبات المنصوص عليها في التشريع الجنائي عند الاقتضاء، في حالة ارتكاب خطأ ضمن أو بمناسبة ممارسة وظائفه.
وكذلك الحال بالنسبة لكل خطأ غير مرتبط بالمصلحة مخل بالاستقامة، أو الشرف، أو الأخلاق الحميدة، أو الكرامة، أو واجب الولاء للدولة ومؤسساتها أو ما من شأنه أن يحط من هيبة الإدارة.
وبالنظر إلى هذه المادة يتبين أن الإقالة من المنصب ثم طلب المتابعة كان أمرا طبيعيا وإن تعارض مع بدأ افتراض البراءة.
الإشكال المطروح هو ما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 12 من قانون الوظيفة العمومية التي نصت على أنه: ويجب أن ترفع السلطة المختصة التي يتبع لها الموظف الأمر بدون أجل إلى النيابة العامة في حالة ما إذا كان الخطأ المرتكب يشكل جنحة أو جناية وخصوصا إذ تعلق الأمر برشوة، أو اختلاس أموال عمومية، أو تزوير محررات عمومية، أو إفشاء السر المهني.
فهل محكمة الحسابات هي السلطة التي يتبع لها المعنيون ولماذا هذا التجاوز الصريح للنص وهل يمكن أن يكون الهدف منه تقويض مجهود الدولة في محاربة الفساد أم انه مجرد جهل بالمساطر والإجراءات.
وإذا كنت المادة 8 من قانون الوظيفة العمومية صريحة في فقرتها الأخيرة التي تنص على أنه: ولا يمكن أن يعفى الموظف من المسؤوليات التي يتحمل بسبب إخلال الموظفين التابعين له بمسؤولياتهم، لماذا اقتصرت المتابعة على هؤلاء فقط دون غيرهم من المسولين الإداريين في السلسة وهل يعد ذلك من الإنصاف أو العدل أم أن الأمر برمته يتعلق بالبحث عن كبش فداء لما ورد في تقرير المحكمة.
الدكتور والمحامي . الشيخ عبد الله ولد احمد بابو