ملاحظات الدكتور سامي من مؤتمر برشلونة: علاج الجلطات بين التقدم العالمي والتحدي الموريتاني

هذا نص ماكتب  على صفحته على الفيس بوك

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

في ختام مشاركتي في المؤتمر العالمي السابع عشر للسكتات الدماغية المنعقد في برشلونة من 22 إلى 24 من هذا الشهر يطيب لي أن أدون الملاحظات أو الخواطر التالية:

1. إن الله تعالى يكشف للمتأخرين ما لا يكشف للمتقدمين. فترى السؤال العلمي الذي حير العلماء عشرات السنين تتواتر إجاباته من شتى بقاع الأرض وفي نفس الفترة، وكأنه رفع عنه الحجاب حتى تتسابق المراكز والباحثون في تقديم الحلول والتفنن في طرق العلاج كل حسب واقعه وإمكانياته. فسبحان القائل: {علم الإنسان ما لم يعلم}.

2. أن الحياة حلبة نزال، فمن جد وجد ومن زرع حصد. كان من ضمن البحوث العشرين الحائزة على جوائز، عدد كبير من أبناء دول العالم الثالث. صحيح أن بعضهم قدموا من أرقى الجامعات، ولكن بحوثهم كانت بسيطة وعالجت مشاكل أقرب وأكثر ما تطرح في عالمنا منها في العالم المتقدم. تبقى هجرة الأدمغة الوجه الآخر القاتم لهذه الظاهرة.

3. لا تخطأ عين المتابع العلمي لمسار علاج الجلطات سيره خطوة بخطوة على طريق علاج الذبحات القلبية. فكما صار العلاج التداخلي وزرع الصمامات أساسيا في علاج الذبحات بعد مرحلة العلاج بالحقن، تطل علينا الدراسات والتجارب بل والمسلمات العلمية الجديدة باعتماد العلاجات التداخلية في علاج عدد كبير وأنواع شتى، تزيد يوما بعد يوم، من الجلطات Thrombectomie. 

وفي هذه النقطة، يمكنني القول إنه لا ينقصنا الكثير، وتم قطع أشواط مهمة رغم العمل الهائل الذي لا يزال يتطلبه الأمر. فمثلا منذ 5 سنوات كان لدينا في موريتانيا 5 أخصائيي أعصاب فقط، اليوم لدينا قرابة 15 طبيبا متخصصا في أمراض الأعصاب جلهم إن لم أقل كلهم شباب، وبعد 4 سنوات على الأكثر سيرتفع العدد لأزيد من 25 طبيبا على الأقل.

الأمر بسيط، ولنا في تجربة المركز الوطني لأمراض القلب أسوة حسنة. يجب ابتعاث بعض هؤلاء الشباب لتعلم هذه التقنيات الجديدة خصوصا مع وجود مراكز دولية جاهزة لاستقبالهم وتكوينهم ونقل التجربة من خلالهم. تجدر الإشارة إلى توفر الجهاز الذي يسمح بهذا النوع من العلاجات في بلادنا. نحتاج فقط إرادة ولا أتحدث عن إرادة عليا، بل على مستوى إدارة المستشفيات. سيكون من الضروري المواكبة بالتكفل بداية بهذا النوع من العلاجات، فالصحة مكلفة ولكن لا ثمن لها.

4. إن علاج الجلطات أمر لازم وذا مردوية كبيرة على المجتمع والاقتصاد الوطني. فكل مريض تأخر علاجه يكلف المجتمع والدولة أضعاف أضعاف ما كان سيكلف علاجه.

إذا افترضنا أن العلاج الممكن الآن يكلف قرابة المليون (الفحوص الأولية + الدواء + الحجز + الفحوص الثانوية). فإن المريض الذي لم يتم علاجه في الوقت الضروري يكلف أضعاف ذلك. ويمكننا تقسيمها إلى خسائر مباشرة (الفحوص الأولية + الحجز "مدة أطول 4 مرات") + فحوص ثانوية + ترويض + علاجات المخلفات) وخسائر غير مباشرة، أولها تحول شخص فاعل ومنتج في المجتمع إلى عالة دائمة فقدت دخلها (لو عولج لاسترجع عمله في غضون شهر على الأكثر)، تعطيل شخص آخر من المجتمع على الأقل للتكفل بالعناية الأولية من حركة وتحريك ونظافة وأكل وخدمة صحية وهذا أمر ضروري لصحة المريض.

وبالتالي يمكن القول إن ترك المصابين بالجلطات بدون حماية ودون توفير الدواء يمثل نزيفا إنسانيا ومجتمعيا واقتصاديا لا يمكن تبريره.

أرجو أن نتمكن في الأشهر المقبلة من افتتاح وحدة للتكفل بالجلطات على مستوى المستشفى، فقد تأخرت كثيرا وذلك مما يدمي القلب.