محكمة الحسابات تكشف ضياع قرابة ثلاثة مليارات أوقية في طريق النعمة – فصالة بسبب اختلالات فنية ومالية جسيمة وتغاضي الوزارة عن غرامات مستحقة

الوسط الموريتاني (نواكشوط) – كشفت محكمة الحسابات في تقريرها الصادر حديثًا عن ضياع قرابة ثلاثة مليارات أوقية قديمة في مشروع طريق النعمة – فصالة، نتيجة عدم احترام الشركات المنفذة للمواصفات والمعايير الفنية، وتغاضي وزارة التجهيز والنقل عن غرامات تأخير مستحقة، إضافة إلى دفع مبالغ مالية مقابل أشغال غير منفذة، واختلالات خطيرة في جودة المواد والقياسات.

ويبلغ طول الطريق 263.8 كلم، موزعًا على ثلاثة مقاطع هي:

  • النعمة – بنغو (63 كلم)
  • بنغو – باسكنو (137 كلم)
  • باسكنو – فصالة (63.8 كلم).

وقد تولى تنفيذ المقطع الأول تجمع COPRI/AGRINEQ، فيما نفذت شركة SNCTPC المقطعين الثاني والثالث.

وسجل التقرير تأخرًا كبيرًا في تنفيذ المقاطع الثلاثة بلغ 761 يومًا للمقطع الأول، و214 يومًا للمقطع الثاني، و164 يومًا للمقطع الثالث. وأكدت المحكمة أن الملحقات التي مددت آجال التنفيذ غير شرعية، إذ بررت بتوقف الأشغال بسبب الأمطار أو شبكات الماء والكهرباء، وهو ما اعتبرته المحكمة مبررات غير مقبولة، لأن المادة السادسة من دفتر الشروط الخاصة تنص على أن “المقاول بمجرد تقديم عرضه يعتبر على علم بجميع ظروف المشروع والعوامل المؤثرة على التنفيذ والأسعار”.

إخلال بالقياسات الفنية

أظهرت القياسات الميدانية أن سمك الطبقة الإسفلتية لا يتجاوز 3 سم بدل 5 سم المقررة، أي بنسبة 60% فقط من المواصفات المطلوبة، ما يعني أن 40% من الإسفلت المدفوع ثمنه لم يُستخدم فعليًا، وتبلغ قيمته الإجمالية 197.283.445 أوقية قديمة و2.100.393 يورو (أي أكثر من 800 مليون أوقية قديمة).
وبلغت القيمة المسددة على أساس سمك 5 سم نحو 493.208.637 أوقية قديمة و5.250.982 يورو. وأكدت المحكمة أن هذه القياسات تمت تحت إشراف مهندس خبير، وشملت نقاطًا متعددة على امتداد الطريق.

وأشارت إلى أن الطبقة فقدت 40% من سمكها خلال أربع سنوات فقط من الاستلام النهائي، ما يعني أنها ستتلاشى نهائيًا خلال عشر سنوات، وهو ما لا يتطابق مع معايير المتانة المفترضة.

حجارة تمتص الماء وتُضعف الطريق

أكد تقرير مهندس بعثة المحكمة أن الحجارة المستخدمة في المقطع النعمة – بنغو نفوذة وضعيفة وتمتص الماء، مما يؤدي إلى تآكل الطبقة الإسفلتية وتسريع شيخوختها، وأنها غير مناسبة لبناء طرق تتعرض لحركة سير نشطة.
كما لاحظ المهندس وجود تشققات وحفر وتقعرات وانحناءات متكررة على طول المقطع، تزداد في الأماكن المنخفضة حيث تتجمع المياه.

مبالغ دُفعت دون إنجاز أعمال

وثّق التقرير دفع 542 مليون أوقية قديمة للمقاولين عن أعمال لم تُنجز مثل تنظيف الورش وتسوية مواقع استخراج الحجارة ونقل المعدات، رغم أن دفعات المقاولين تضمنت تسديد المبالغ المقابلة لها.
وتوزعت المبالغ المدفوعة على 215.821.761 أوقية قديمة و816.845 يورو، وهي مبالغ وصفتها المحكمة بأنها غير مستحقة قانونًا.

مليارا أوقية: غرامات ضائعة

سجلت المحكمة أن وزارة التجهيز والنقل لم تقتطع غرامات التأخير المستحقة من صفقات المقاطع الثلاث، رغم تجاوز فترات التأخر سقف الغرامات المقررة، ما تسبب في ضياع قرابة ملياري أوقية قديمة.
وبلغت قيمة هذه الغرامات 1.076.378.866 أوقية قديمة و2.114.013,44 يورو. كما لاحظ التقرير عدم تصفية ضريبة جزافية بقيمة 109.873.147 أوقية قديمة لم تُقتطع من حسابات المقاولين.

أشغال لم تُنجز رغم دفع تكاليفها

أكدت المحكمة أن المشروع تضمن أشغالًا لم تُنفذ إطلاقًا رغم دفع تكاليفها، مثل:

  • تشجير الطريق بمعدل 200 شجرة لكل كيلومتر وصيانتها لمدة عام.
  • إنشاء متنزهات خضراء وبساتين ومقاعد.
  • تسييج المدارس والمراكز الصحية المحاذية للطريق.
  • تثبيت الرمال على مساحة 15 هكتارًا.

تأخر غير مبرر في الإنجاز

وأشار التقرير إلى أن تأخر إنجاز المقاطع الثلاث تراوح بين 5 و24 شهرًا، دون مبررات مقنعة، إذ أن عراقيل الشبكات المائية والكهربائية لم تؤثر إلا في مناطق محدودة داخل باسكنو وفصالة.

تموجات وارتجاجات

وفي المقطعين بنغو – باسكنو وباسكنو – فصالة، لاحظت المحكمة وجود تموجات وارتجاجات تجعل السير غير مريح، وأرجعت ذلك إلى سوء تسوية الطبقات القاعدية وخلل في آلية نشر الإسفلت.
كما ظهرت انحناءات وتشوهات في الأرضيات المدعمة رغم أن الاستلام النهائي للمقطع 2 تم نهاية 2020، وللمقطع 3 في منتصف 2022، أي بعد فترة قصيرة لا تكفي لظهور عيوب استغلال.

أعطاب هيكلية وإشارات رديئة

ورصد التقرير تشوهات وكسور في الجدران الجانبية، وانجراف بلاط حماية العبارات، وتآكل الأرضيات المدعمة، إضافة إلى رداءة الإشارات الأفقية والعمودية في المقطع الثاني بدءًا من الكلم 7 من بنغو باتجاه باسكنو، رغم أن عمرها أقل من عامين.

مقتنيات مفقودة

وأشار التقرير إلى اختفاء مقتنيات ومعدات تابعة لوزارة التجهيز، بينها خمس سيارات رباعية الدفع وتجهيزات مخبر وأدوات مسح ومباني مكتبية وآبار مجهزة بمضخات.
وأكدت المحكمة عدم توفر وثائق تسليم أو جرد لهذه المقتنيات، باستثناء بعض السيارات وتجهيزات مختبر المقطعين 2 و3، مما يشكل خرقًا لبنود عقود الرقابة الفنية.

كما لاحظت المحكمة أن عدد الآبار المنجزة أقل بكثير من المطلوب، إذ لم يُنجز أي بئر في المقطع الأول، وفي الثاني أنجزت سبعة آبار أغلبها مغلق أو غير مجهز، وفي الثالث أربعة آبار اثنان مغلقان وواحد أتلفه نزاع محلي.

مواعيد التسليم

تم استلام المقاطع الثلاث بفوارق زمنية كبيرة عن المواعيد المحددة:

  • النعمة – بنغو: استلام مؤقت في 19 مايو 2017، ونهائي في 16 أغسطس 2018.
  • بنغو – باسكنو: استلام مؤقت في 11 يناير 2019، ونهائي في 15 ديسمبر 2020.
  • باسكنو – فصالة: استلام نهائي منتصف 2022.

خلاصة

واعتبرت محكمة الحسابات أن مشروع طريق النعمة – فصالة يعاني من اختلالات شاملة في الجوانب الفنية والمالية والإدارية، من رداءة في المواد المستخدمة، وتأخر غير مبرر، وغياب للرقابة، وتغاضٍ عن الغرامات المستحقة، مما أدى إلى هدر مئات الملايين من الأوقية وضياع ممتلكات عمومية دون توثيق.

وطالبت المحكمة بضرورة فتح تحقيق شامل لتحديد المسؤوليات واسترجاع الأموال العمومية، وضمان عدم تكرار مثل هذه التجاوزات في مشاريع البنى التحتية المستقبلية.