الموريتانيون ينشغلون بخلافة الغزواني… وولد مرزوك وولد أجاي في صدارة الترشيحات والمراقبون يعتبرون الأمر سابقاً للأوان

عبد الله مولود

نواكشوط – «الوسط الموريتاني »: رغم أن الاستحقاقات الرئاسية المقبلة في موريتانيا لا تزال بعيدة نسبياً من الناحية الزمنية، إلا أنّ المشهد السياسي الموريتاني بدأ مبكراً يضجّ بالقراءات والترشيحات حول شخصية الخليفة المحتمل للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
ويتصدر محمد سالم ولد مرزوك وزير الخارجية الحالي رئيس الوزراء المختار ولد أجاي واجهة النقاشات السياسية والإعلامية، حيث يحاول كل طرف استشراف موازين القوى داخل النظام ومدى قدرة هذه الشخصيات على حشد الدعم الشعبي والسياسي.
ويأتي هذا الانشغال المبكر في سياق سياسي يتسم بحساسية بالغة، حيث تداخل عوامل الشرعية الانتخابية مع توازنات النفوذ داخل السلطة الحاكمة، ما يجعل النقاش حول «خليفة الغزواني» محكوماً أكثر بميزان التوقعات والتحليلات من كونه عملية ترشيح واقعية قريبة.
ورغم أن أربع سنوات تفصل موريتانيا اليوم عن الانتخابات الرئاسية، فقد دخل هذا البلد الذي كان لحد قريب يعرف بـ»بلد الانقلابات»، مرحلة سياسية دقيقة عنوانها الأبرز: من سيخلف الرئيس؟ ومع استبعاد إمكانية تعديل الدستور لتمديد الحكم، تبدأ ملامح المشهد السياسي في التشكل داخل أروقة النظام، وسط حديث متزايد عن أسماء بعينها تتهيأ للعب دور محوري في الاستحقاق الرئاسي المقبل.
وانتقد الإعلامي موسى بهلي طرح قضية خلافة الرئيس الغزواني في هذا الوقت المبكر.
وقال في بث مباشر: «أستغرب من أن الأغلبية الداعمة للرئيس تتحدث عن خلافته مع أنه لم تمض إلا سنة واحدة على مأموريته الحالية؛ فكأن هذه الأغلبية تتملص من الرئيس مبكراً وكأن الرئيس لا يحكم حالياً».
ووسط هذه الديناميكية، يؤكد الكاتب السياسي أسلم أحمد سالمَ «أن مقاربات غير تقليدية بدأت تظهر في حسابات الخلافة، من أبرزها تداول اسم الدكتور محمد سالم ولد مرزوك كمرشح محتمل ينحدر من شريحة لحراطين (الأرقاء المحررون)».
ورغم أن هذه الفرضية لا تزال ضمن النقاشات الأولية، فإنها تحمل دلالات سياسية واجتماعية تتجاوز شخص المرشح.
ففي بلد عانى من اختلالات بنيوية بين مكوناته الاجتماعية، قد يُنظر إلى دعم مرشح من شريحة لحراطين كخطوة ذات أبعاد رمزية ورسائل داخلية قوية، تهدف إلى طمأنة شريحة واسعة ظلت تطالب بتعزيز حضورها في مراكز القرار.
ويرى داعمو ترشيح ولد مرزوك، وعلى رأسهم الوزير السابق العمدة بيجل ولد حميد، أن ولد مرزوك راكم خبرات واسعة في العمل الدبلوماسي والحكومي، كما يتمتع بمسار مهني طويل، غير أن قدرته على تجاوز التحديات المرتبطة بقبول النخب التقليدية، ومدى استعداد النظام لدفعه إلى الواجهة، تبقى محط اختبار.
وفي خلفية الحديث عن احتمال ترشيح ولد مرزوك، يرى مراقبون أن هذا الخيار قد يكون استبعادًا غير مباشر لترشيح بيرام الداه اعبيد، الشخصية الحرطانية المعارضة البارزة التي خاضت غمار الانتخابات الرئاسية في 2019 و2024، واحتلت المركز الثاني في كلتا المحطتين، مع حضور شعبي واسع، خاصة بين قواعد لحراطين والمهمشين.
ويثير بيرام، المعروف بخطابه الصدامي ومواقفه الراديكالية ضد التمييز الطبقي، حذر النظام رغم شعبيته المتنامية؛ لذلك، فإن الدفع بولد مرزوك – ابن الشريحة ذاتها، لكن من داخل المؤسسة – قد يكون محاولة لاحتواء المد الشعبي الذي يمثله بيرام، وتقديم بديل أكثر توافقًا مع منطق الدولة والنظام. وليس الهدف، حسب بعض القراءات، ضمان تمثيل لحراطين في معادلة الحكم، بل أيضًا سحب البساط من تحت رجل ظلّ لسنوات يطرح نفسه كممثل أوحد لقضاياهم.
غير أن هذه المقاربة لا تضمن بالضرورة نجاحًا سياسيًا، خاصة أن بيرام قد يستثمرها لتعزيز روايته بشأن التهميش والإقصاء، ما يجعله خصمًا لا يمكن تجاهله في أي حساب انتخابي.
وفي موازاة طرح ترشيح ولد مرزوك، يرى الكاتب إسلم أحمد سالم «أن رئيس الوزراء المختار ولد أجاي يشكل خيارًا أكثر واقعية في حسابات النظام، خاصة مع ما يُقال عن دعمه من بعض الأطراف الخارجية المؤثرة، كالإمارات العربية المتحدة». ويمثل ولد أجاي، المنحدر من ولاية لبراكنة وسط البلاد، بالنسبة للبعض استمرارية للنهج الحالي، بخلفيته الاقتصادية وإدارته لملفات حساسة مثل المالية وقطاع المعادن.
ومع ذلك، فإن المسار لا يزال معقدًا، فحظوظه تتوقف على قرار الرئيس الغزواني ودائرته المقربة، ومدى استعداد المؤسسة العسكرية والحزب الحاكم لدعمه في مرحلة تتطلب توافقًا واسعًا.
ويواجه الرئيس الغزواني الذي سيغادر السلطة حتماً في الانتخابات المقبلة معضلة مزدوجة: اختيار شخصية تتمتع بالكفاءة وقادرة على الحفاظ على استقرار النظام، دون أن تكرر تجربة الخلاف التي عاشها هو نفسه مع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
فالتجربة السابقة علّمت النظام أن «المرشح المضمون» قد يتحول إلى خصم سياسي بعد وصوله إلى السلطة.
لذلك، تبدو معايير الاختيار اليوم أكثر دقة، وتتطلب شخصية تجمع بين الولاء السياسي، والقبول الاجتماعي، والقدرة على إدارة الدولة.
إلى الآن، لا توجد مؤشرات حاسمة على هوية المرشح النهائي، لكن الأكيد أن السباق الرئاسي المقبل سيكون مفتوحًا على مفاجآت اللحظة الأخيرة، وقد تُطرح أسماء من خارج القائمة المتداولة حاليًا، بقرار من مطبخ النظام الذي لا يكشف أوراقه مبكرًا.
وتحكم معادلة خلافة الغزواني ثلاثة عناصر رئيسية هي إرادة الرئيس الغزواني ونظرته لمستقبل الحكم، وتوازنات المجتمع القبلي والجهوي، والضغوط الإقليمية والدولية، لا سيما من الشركاء الاقتصاديين.
وهكذا فإن خلافة الغزواني لن تكون مجرد انتقال دستوري، بل اختبار لمدى نضج النظام السياسي الموريتاني، وقدرته على تجديد نفسه دون الدخول في أزمات أو صراعات.
وبين من يرى أن اللحظة مناسبة لتصحيح تاريخي عبر ترشيح شخصية من لحراطين، ومن يفضل الاستمرار في النهج القائم عبر رجل دولة تكنوقراطي من المجموعة العربية (البيظان)، تبقى أعين الموريتانيين معلقة على ما ستقرره الدائرة الضيقة للرئيس، خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وفي ضوء هذه المعطيات، يبدو واضحاً أن الحديث عن خلافة الرئيس الغزواني لا يزال في طور التكهنات التي يغذيها الحراك الإعلامي والسياسي، أكثر مما يعكس حقيقة الخيارات المطروحة داخل دوائر القرار.
فالمراقبون يعتبرون أن الطريق ما زال طويلاً قبل الدخول في لحظة الحسم، وأن العوامل الإقليمية والداخلية ستلعب دوراً محورياً في رسم صورة المرحلة المقبلة. لذلك يبقى السؤال مفتوحاً: هل نحن أمام تمهيد مبكر لتوريث سياسي جديد، أم إن التوازنات ستفرض معادلات غير متوقعة مع اقتراب ساعة ا