"السردية التاريخية لمؤتمر ألاك 1958: الباحث حيبنا حيبلل يوثق لحظة الإجماع وبداية الدولة

في إطار إحياء الذكرى التاريخية لمؤتمر ألاك، وانطلاقًا من رسالتنا الإعلامية في توثيق اللحظات الفارقة في مسيرة هذا الوطن، يسعد *موقع الوسط الموريتاني للأنباء* أن ينشر هذه المداخلة القيمة للأستاذ **حيبنا حيبلل**، أحد ا المؤرحين البارزين  في مجال التوثيق الاجتماعي والتاريخي.

لقد عُرف الأستاذ حيبنا بنهجه الدقيق في معالجة الأحداث، وتوثيقه المتزن للوقائع، إذ يربط بين المعطى السياسي والسياق الاجتماعي والثقافي، في سردية متماسكة تجمع بين المعلومة الموثقة مع الابعاد التحليلية والسياقية . وقد تمكن من ترسيخ أسلوب خاص في قراءة التاريخ الوطني، لا سيما حين يتعلق الأمر بمحطات فاصلة مثل **مؤتمر ألاك**، الذي شكل نقطة تحوّل حاسمة في طريق استقلال الدولة الموريتانية.

وفي هذه المداخلة، التي ننشرها **إحياءً لذكرى مؤتمر ألاك (1958)**، يقدم الأستاذ حيبلل قراءة شاملة للمعوقات والمكتسبات، متناولًا الخلفيات التاريخية، والدوافع السياسية، والمخرجات التي أرست دعائم الدولة الحديثة، بأسلوب رصين وإحالات دقيقة إلى المصادر والشهادات المعاصرة.

و هذا نصها

## **مؤتمر ألاك: المعوقات والمكتسبات**

**للأستاذ: حيبنا حيبلل**

**بسم الله الرحمن الرحيم**
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بُعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحابته والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد،
فإن الحديث عن **مؤتمر ألاك** حديث ذو شجون، 

حديثُهُ أو حَديثٌ عنْهُ يُطْرِبُنِي

هذا إذا غابَ أو هذا إذا حَضَرَا

كِلاَهُمَا حَسَنٌ عندي أُسَرُّ به

لكنَّ أحلاهُما ما وافَقَ النّظرا

**لماذا مؤتمر ألاك؟**
وما السر في اختيار هذه المدينة لتحتضن حدثًا مفصليًا أواخر خمسينيات القرن الماضي؟
أسئلة نطرحها، ونحاول الإجابة عنها ضمن هذه المداخلة التي تسعى إلى تسليط الضوء على خلفيات المؤتمر وسياقه ونتائجه.

### **سياق تاريخي وسياسي**

لقد شهدت بلادنا مع نهاية الحرب العالمية الثانية بدايات الحراك السياسي والتحرري، كما هو الحال في العديد من المستعمرات الفرنسية. فقد بدأ الوعي بضرورة التحرر يتنامى، وتشكلت الأحزاب والحركات الوطنية، تزامنًا مع تراجع قوة فرنسا المنهكة.

ففي عام 1946، أفسحت فرنسا المجال أمام مشاركة محدودة في البرلمان الفرنسي، وهو ما ساهم في تنامي الوعي السياسي محليًا. وعلى أرض موريتانيا، تنوعت الرؤى وتباينت الاتجاهات، حتى جاء **مؤتمر ألاك** ليجمع الفرقاء على كلمة سواء، على أساس وحدة وطنية تستجيب لتطلعات شعب متعدد الأعراق والثقافات، موحد في الدين والعقيدة.

**"إن يفترق ماء الوصال فماؤنا
عذب تحدر من غمام واحد
أو يفترق نسبٌ يؤلف بيننا
أدب أقمناه مقام الوالد"**

### **لماذا ألاك؟**

لم تكن صدفة أن يُعقد المؤتمر في **ألاك**. فهذه المدينة، وولاية لبراكنه عمومًا، كانت وما تزال مثالًا حيًّا للتعايش بين مكونات المجتمع. لم تكن التحالفات فيها مبنية على العنصر أو اللون، بل على التفاهم، والمصلحة، والجوار.

وقد ظهر هذا جليًا في علاقات القبائل: من وُرُرب وداب جاوب، إلى البظان، وغيرهم ممن تعايشوا في تناغم. ومثال ذلك العلاقة الوطيدة بين سكان الضفة، كـ"هليب"، وإخوانهم من البظان، حتى في الأوقات الحرجة مثل أحداث 1989.

وقد عبّر الشيخ **ولد مكين** عن هذا الود والتلاحم شعريًا:

**هلليب هُوم قِسْمْتِن
من لكور فاول مارتِن
ما كَطْ الشُوفْ فَصْلْتِن
فالمْقامْ ولا فالغِيبْ
والهمْ ما عِيبْ عَزْتِن
وإن ما عِزْتْهُم عِيبْ
والگالْ وَلَّاهْ مظنون
عن مانبغ هلليب
ولَّل عنهم ما يبغون
هلليب ذْ الكال  اكذيب!**

### **تأسيس المؤتمر ومكان انعقاده**

من العوامل التي شجعت على اختيار ألاك، موقعها الجغرافي وربطها بعدة ولايات، فضلًا عن حيادها النسبي في الصراعات الأيديولوجية. وقد كانت المبادرة لاستضافة المؤتمر من قبل السيد **معروف ولد الشيخ عبد الله**، الذي وفرت قبيلته "إجيجب" كل مستلزمات الضيافة.

عُقد المؤتمر ما بين **2 إلى 5 مايو 1958** في الجزء الشمالي الشرقي من المدينة، حيث نُصبت مائة  خيمة على شكل دائري يجعل الجميع متقابلين  كما ان الشكل جاء على صورة حرف القاف الميسم المعروف لدى مسمي قبيلة  "اجيجب"  وقد وصفها الشاعر **المختار ولد حامد*  هذه اللوحة فأبدع حيث يقول :

یا دارة در فيها سعد أخبية 

وذر سعد سُعُودٍ بل وجوزاء

كالأرض دار بها "قاف" فسورها

 أو كالسماء إذا ما صح إصحاء

كأنما هالة دارت على قمر

 أو قلدت عسجدًا في الجيد أسماء

أو كالبحيرة قد دار الهضاب بها

 أو كالجزيرة محتفا بها الماء

والعَسْجَدِية تعلوها جوانبها 

والشرب دار وبين الشرب صهباء

فيها لمن جاء إيواء وثم له

 إن جاع أو يظمأ إشباع وإرواء

شكرا لمعشر "قَافِ" دورُوهُ 

فهم للضيف والكتب قراء وقُرَّاء

أما منزل السيد **محمد المختار معروف**، فقد صار يُعرف بـ"دار المؤتمر"، واحتضن النقاشات الأساسية، وكان منطلقًا للرؤى التي أسست للدولة الحديثة.

### **أجواء المؤتمر وأهم نتائجه**

رغم التحديات الداخلية والانقسام السياسي، شارك في المؤتمر أكثر من **خمسة آلاف موريتاني** من شتى الجهات والمكونات، وتم الاتفاق على الخطوط العريضة التالية:

1. توحيد القوى السياسية في **حزب التجمع الموريتاني**.
2. الوقوف في وجه الدعوات الانفصالية.
3. اعتماد الحياد الإيجابي تجاه صراعات المنطقة.
4. دعم فكرة موريتانيا مستقلة ضمن مجموعة إفريقيا الغربية.
5. رفض الانضمام للمنظمة المشتركة للمناطق الصحراوية.
6. مطالبة فرنسا بوقف حربها ضد الجزائر.
7. الدعوة إلى إصلاحات داخلية شاملة، منها:

  * تعميم اللغة العربية في التعليم.
  * توسيع الخدمة العسكرية.
  * فرض الضرائب بعدالة.
  * النهوض بدور المرأة ومحاربة الرق.

وقد ألقى الرئيس **المختار ولد داداه** خطابًا مهمًا في افتتاح المؤتمر، بعد تلاوة القرآن الكريم من طرف المرحوم **إسلم ولد الشيخ عبدي ولد المنجي**، مؤكدًا أن **موريتانيا ينبغي أن تكون نقطة وصل بين إفريقيا والعالم العربي**.

### **خاتمة ومطالب**

لقد شكّل مؤتمر ألاك قاعدة انطلقت منها الدولة الموريتانية الموحدة. ومن هذا المنبر، نوجه نداءين:

1. **الاهتمام بمدينة ألاك**، التي كانت دائمًا على موعد مع التاريخ.

  * إذ كانت أول من تصدى للمستعمر كبولاني ليلة 8–9 ديسمبر 1903 في معركة "الكدي".

2. **تخليد اسم المرحوم محمد المختار معروف ولد الشيخ عبد الله** بإطلاق اسمه على الشارع الرئيسي في المدينة، عرفانًا بدوره الوطني.

**والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.**