الصحفي ولد بكار : الغزواني أضاع فرصا مھمة على نفسه وعلى الشعب وشكل حكومات متذبذبة وغير متجانسة( مقابلة)

 

 

 اعتبر محمد محمود ولد بكارالبيئة والمجتمع الموريتاني بيئة ومجتمع منتجان للفساد أو بالأحرى مساعدان على استقراره وتمدده، وهذه إحدى العوائق الأساسية الكبيرة التي تواجه أي حرب على الفساد يمكن أن تعلن في هذه البلاد.

واعتبر ولد بكار من الأخطاء والفرص الكبيرة التي  أضاعها رئيس الجمهورية  ولد الغزواني على نفسه وعلى البلد عدم استغلال وتثمين نتائج مقاربة  التهدئة التي جلبت لدعمه أغلب اطر البلد وكفاءاته بحماس واندفاع كبيرين والاستعداد  للعمل معه ودعمه في كل القرارات   مما منحه قبولا  وفترات سماح طويلة  لكنه لم يوظف ذلك ولم يحوله لإطار وظيفي وظل يدور في مجموعة واحدة يبادلها في المناصب طيلة عهدته الماضية التي منحها له الشعب الموريتاني بكل أريحية وتفاؤل وتطلع لإحداث نقلة في طريقة تسيير البلد ، وهي فرصة لا تعوض للأسف، وهذا نص المقابلة: 

موقع الفكر: ما تقويمكم لخطر الهجرة غير الشرعية على الدولة الموريتانية؟
محمد محمود بكار: الإشكال في قضية الهجرة يتعلق بضعف تقدير خطرها ومآ لاتها، ولا يخفى عليك الآن أن أوربا وهي القارة الكبيرة والمهمة والولايات المتحدة الأمريكية التي يمكن اعتبارها المسير الاقتصادي والأمني والسياسي للعالم، تخافان من الهجرة، وتضعان أكثر من خطة و استيراتيجية لمواجهة هذه الظاهرة الإنسانية التي يزيدها الزمن تعقدا وتشعبا، أما في موريتانيا فلا يبدو أننا نقدر هذه الظاهرة حقها من التقدير، ولا نناقش رهاناتها بالشكل الأكبر مناسبة لمثل هذا التحول الخطير.
إن الأوربيين والولايات المتحدة يدفعون الأموال الهائلة لدول المنطلق والعبور مثل تركيا وليبيا وتونس وغيرها من أجل منع تدفق الهجرة، وذك لوعيهم بخطرها اقتصاديا ومجتمعيا وأمنيا، أما نحن بالفعل فلا نواجه لأمر بجدية، وللأسف لا نعي حجم ما نحن مقبلون عليه من مخاطر.
أما الإشكال الثاني المؤطر لوضعية الهجرة، فهو عجز الدولة وغياب بنيتها ومؤسساتها ووسائلها القادرة على التصدي للهجرة غير الشرعية أو تنظيمها، وهكذا يجتمع في إداراتنا لملف الهجرة: غياب الوعي بخطرها وضعف الوسائل لمواجهتها.

وهو ما يجعل المصادر الأوربية أكثر سخاء بالمعلومات من المصادر الرسمية الموريتانية، ينضاف إلى ذلك بعد آخر، هو تعدد إشكالات ومصادر الهجرة غير الشرعية إلى موريتانيا من شعوب ذات نمط حياة وطبيعة ولغة وقيم ودين مختلفة ومتباعدة ومتناقضة مع الشعب الموريتاني، وخصوصا تلك الناطقة بالإنجليزية والتي تدين بالمسيحية القادمة ، وغالبا ما يكون هذا النوع من المهاجرين مهاجري عنف وإجرام، وهو ما ظهرت بعض ملامحه محليا، كما ظهرت بصورة أوضح في عدد من دول المنطقة.

موقع الفكر: يكثر الحديث عن الفساد وعن ضعف الحكومة أو عدم جديتها في محاربته، حيث يرى البعض أن الحرب على الفساد لا تتجاوز الشعارات، والدليل على ذلك أن لا معتقل بسببه  فكيف تعلقون؟

محمد محمود بكار: البيئة والمجتمع الموريتاني بيئة ومجتمع منتجان للفساد أو بالأحرى مساعدان على استقراره وتمدده، وهذه إحدى العوائق الأساسية الكبيرة التي تواجه أي حرب على الفساد يمكن أن تعلن في هذه البلاد
لا يمكن القول إن الشعارات المعلنة عن الحرب على الفساد متناسبة في الإجراءات ، وذلك لما يمكن اعتباره نقصا شديدا في استقلالية الهيئات المكلفة بمحاربة الفساد، وغياب الردع الفعال، وما دامت التسويات تحت الطاولة هي أساس الموقف، وما دامت المعلومات المتعلقة بالفساد لا تظهر للعلن، فإن بقاء الفساد أمر طبيعي..

غالبا ما يتوقف الناس عند الفساد المتعلق بالتسيير، لكنهم يتجاهلون نمطا آخر من الفساد، وهو فساد وتبذير الموارد وخصوصا الموارد غير المتجددة، كما يقع في قطاع المعادن والصيد، من منح للرخص بشكل مخالف للقانون أو المناقض للاستغلال المستديم والتثمين ، وذلك لضعف بنية القوانين نفسها وغياب تحيينها  وتطويرها بشكل مستمر وعدم الصرامة في المتابعة ، وهو ما تجلت مظاهره في ضعف العائد التنموي على البلاد مقارنة بدول أقل منا حظا من هذه الثروات، لكنها أكثر تنظيما وحفاظا على مواردها مثل المغرب والسينغال .

ويصدق الأمر على قطاعات متعددة، حيث يمكن الحديث عن استنزاف متواصل للموارد غير المتجددة، وتضييع لتلك المتجددة، وسوء لإدارتها، لأن الاستيراتيجية التي تدير قطاع الصيد على سبيل المثال هي سياسة تجارية هدفها هو حصول الدولة على العملة الصعبة من أجل استيراد المواد الاستهلاكية الضرورية  ، رغم أن الحاجة الماسة الآن لم تعد لجلب العملة الصعبة بل  إلى سياسة تثمينية لهذا القطاع، تدخله في دورة إنتاج متكاملة من حيث سياسة التشغيل الوطني، والتنمية والتطوير لمضاعفة القيمة المضافة للإنتاج ولتوطينه ولحمايته .
وبشكل عام فإن العائق المركزي لمحاربة الفساد هو الظروف العامة للدولة، ونظام الأجور الباهت وطبيعة التسيير، فيمكن أن تتصور أن راتب الوزير مثلا هو في حدود 170.000 أوقية جديدة، ومنها يدفع تكاليف دراسة أبنائه، وكراء منزله، وضيوفه وحلفه السياسي، خصوصا أن الوزراء في الغالب معينون عن طريق الصدفة، ومختارون من الشارع، وهو نتاج لعبة الحظ، وفي مثل هذه الظروف، وأمام الإغراءات الهائلة فإنه لا يمكن أن يصمد وزير أمام مغريات الفساد أحرى أن يكون محاربا له.
لقد أنتج انعدام الرؤية في محاربة جذور أسباب ودوافع الفساد مثل بحث الموظفين لزيادة دخلهم من أجل تامين حياة مناسبة أدى إلى تدهور قطاعات لا يمكن أن تتطور الدولة أو ان تنطلق بدونها، مثل قطاع التعليم، حيث يضطر كل المدرسين إلى البحث عن مصادر دخل أخرى في البيوت، وهو ما ظهرت آثاره في المستويات المنحطة للتلاميذ، وعلى أداء المدارس، وعلى تعامل الوكلاء والأسر مع التعليم، لأن الجميع في رحلة مستمرة عن دخل إضافي يمكن صاحبه من مواجهة صعوبات الحياة.

موقع الفكر: في موضوع الحوار، ما أبرز الملفات و التحديات التي تواجهها موريتانيا، وتستحق الصدارة في طاولة الحوار؟
محمد محمود بكار: موريتانيا في مواجهة تحديات بنيوية متعددة، وأكثرها صعوبة، أننا كنا طيلة ستين سنة نعمل خارج نطاق الأولويات، ونعمل عكس البنى والمرتكزات التي تقوم عليها الدول، لم تنجح البلاد في سياسة لبناء الإنسان المتعلم القادر على خدمة وطنه والرفع من شأنه والمشبع بالروح الوطنية ، ولم تنجح في بناء المؤسسات التي تقوم عليها الدول وتضمن بقاءها واستقرارها، ولم تنجح في تثمين الاقتصاد بل على الأقل جمع المعلومات الكافية عن ثروات البلد ، وعليه فإن البلاد محتاجة الآن إلى قرارات وطنية كبرى، وأعتقد أن الوقت يضيق والفرص تضيع تباعا في هذا المجال.
وإذا تجاوزنا أزمة الدولة البنيوية الداخلية، فنحن نعيش تحديات الإقليم وبلادنا هي الحلقة الأضعف في مواجهة صراعات ورهانات إقليمية دولية أكبر منا بل وأكبر من المنطقة، نحن جزء من ساحة الصراع بين الغرب وروسيا، وإذا كان هذا الصراع قد ظهر بعنف في أوكرانيا التي ليست إلا مظهرا لتناقص المصالح، فإن بلدانا ومناطق كثيرة متعددة معرضة لأن تكون ساحات أخرى لمثل هذا الصراع.

نحن في الشأن الإقليمي بين جارين متناقضين ومتصارعين هما المغرب والجزائر ونحن الحلقة الأضعف بينها.
لدينا إشكالات مع دول الجوار، وخصوصا السنغال التي نملك معها مشتركات متعددة، منها ما هو ذو بعد استيراتيجي عميق مثل الغاز، والصيد البحري، وما يتعلق بالهجرة والعمالة، ونحن متخلفون في بناء المؤسسات والعقلية القادرة على تسيير هذا المشترك أو تسيير النزاع فيما يتعلق به، وهو نزاع يمكن أن يظهر في كل وقت ولأي سبب.
بلادنا مفتوحة على فضاء صحراوي مضطرب بمسافة تتجاوز 5.400 كم، من الأراضي التي يمكن أن يتشكل فيها ومنها كل ما يمكن أن يضر أو يؤثر سلبا على الإقليم كله وخصوصا على بلادنا
يوجد تحد عميق في الملف السياسي، فها نحن بعد كل انتخابات نواجه أزمة أمنية ومشكلات سياسية عميقة، وهو ما يظهر أن البلاد لم تبن مؤسسة سياسية قادرة على تسيير الاختلاف ولا تسيير الآليات الديمقراطية وهذا في رأيي هو الذي يجب أن يكون موضوع الحوار. 

هنالك أيضا متغيرات ينبغي التوقف عندها، ماذا يريد بيرام ولد اعبيد مثلا، وماهي القواسم المشتركة في طموحه مع فكر الدولة وبنائها واستقرارها.
يضاف إلى هؤلاء تحدي بنية النظام وتصارع  لوبياته، وهل يمكن لهذه اللوبيات أن تنتج حوارا مؤسسيا يفضي إلى مصلحة موريتانيا وتطوير قدراتها السياسية.
والأهم من كل ذلك هو التحدي المجتمعي فمجتمعنا بشكل عام يتحول تدريجيا إلى أقلية في بلدها، والمؤلم أنها أقلية لا تملك أي قدرة فكرية ولا مؤسسية لاستيعاب هذا المتغير، ولا للتعاطي مع هذا التدفق الهائل للمهاجرين، وهذا هو لب الأزمات والتحديات

موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع الصحافة الموريتانية؟

محمد محمود بكار: الصحافة هي نتاج المجتمع وتعبير عن نقاط قوته وضعفه والسائد فيه من قيم وممارسات، وبشكل عام هي قطاع يحتاج إلى تنمية مثل غيره من القطاعات، وما يتم التباهي به بشأن حرية الصحافة، هو جزء من نمطية المجتمع السائدة، فنحن في مجتمع ثرثار بطبيعته مغرم بتتبع الأخبار والشائعات والقصص، هذا الجانب من الحرية هو نتاج مجتمعي وليس حرية مؤسسية نامية
في مقابل هذه الحرية التي قد يتم رصدها في تقارير منظمة مراسلون بلا حدود وغيرها، ينبغي التساؤل أين هي المطابع القوية، وأين القنوات القوية، وأين الصحافة والجرائد المؤثرة وأين العمل الإعلامي الجاد القوي المؤثر والفعال.
هذا القطاع جزء من بنية الدولة ولا يمكن أن تتحقق أهداف التنمية دون سياسة تسويق إعلامي ودعاية وإشهار، ولكم جميعا ان تتساءلوا أين هي سوق الإشهار، فلا يمكن لقطاع الإعلام أن ينمو ويتقدم في ظل الحديث عن مخصصات زهيدة وصغيرة تقدم سنويا لبعض المؤسسات، لكن ما يمكن أن يرفع قدرات الإعلام ويخلق التكامل هو المخصصات القطاعية للإشهار في جميع مؤسسات الدولة، وبدون ذلك لا يمكن الحديث عن إعلام جاد بدون مصادر مالية مستقرة ومستقلة.

موقع الفكر: رغم التهدئة السياسية، ورغم الفرص التي حصل عليها رئيس الجمهورية، فهل يمتلك ولد الغزواني في الوقت بدل الضائع القوة والإرادة اللازمة لإحداث التغيير الضروري، والقطيعة مع الماضي؟
محمد محمود بكار:  لقد أضاع محمد ولد الشيخ الغزواني فرصا كثيرة على نفسه وعلى البلاد، ورغم ذلك ما زالت لديه فرصة لإحداث تحولات كبرى رغم أن الزمن لم يعد في صالح الجميع.
لقد كان من الأخطاء والفرص الكبيرة التي  أضاعها رئيس الجمهورية  ولد الغزواني على نفسه وعلى البلد عدم استغلال وتثمين نتائج مقاربة  التهدئة التي جلبت لدعمه أغلب اطر البلد وكفاءاته بحماس واندفاع كبيرين والاستعداد  للعمل معه ودعمه في كل القرارات   مما منحه قبولا  وفترات سماح طويلة  لكنه لم يوظف ذلك ولم يحوله لإطار وظيفي وظل يدور في مجموعة واحدة يبادلها في المناصب طيلة عهدته الماضية التي منحها له الشعب الموريتاني بكل أريحية وتفاؤل وتطلع لإحداث نقلة في طريقة تسيير البلد ، وهي فرصة لا تعوض للأسف.
لم يربط الرجل نفسه بشركاء المستقبل والقدرات الفكرية والفنية والسياسية الفاعلة القادرة على العبور بالبلاد إلى فضاء القرارات الكبيرة ذات الأثر الكبير في حياة الناس وفي تعزيز المؤسسات التي تقوم عليها الدولة.
وللأسف أيضا فقد أقام حكومات متذبذبة، تتضمن وزراء أكبر من حجم الوزير الأول ومن دون مردود في الغالب ، لا ينصاعون لأوامره ولا ينتظرون منه توجيها،يربطون أنفسهم بالرئيس مما جعل الحكومة غير منسجمة وكأنها حكومات  وهو ما عكر مزاج التسيير العام، وأضعف معنى التكامل والتضامن الحكومي، وأفرغ المنجزات من محتوياتها، وأغرقها في كثير من البساطة والسطحية والشخصنة حوّل تركيز الإعلام على دعم وإذكاء الصراعات البينية بدل التركيز على إنجازاته الكبيرة وعلى حشد الدعم لها  .
ومع ذلك يمكن للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن يستفيد من السنوات الأربع المتبقية من حكمه، لاتخاذ قرارات قوية وشجاعة وفعالة، وهذا ما تقتضيه الظروف ويستدعيه المقام والمتغيرات المجتمعية وظروف الحياة، وضرورات الحكم وتسيير البلدان.
موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟
محمد محمود بكار: يجب أن تخرج الطبقة السياسية عن دورها التقليدي وأن تساهم بجدية في مستقبل البلد لا أن تظل كما كانت عنصرا تابعا خاضعا يملى عليها  ويطلب منها مساندة شخص وكانّه فقط جمهور مشجعي كرة قدم ليس له من دور سوى الصراخ والتصفيق .
وعلى  الرئيس محمد الشيخ الغزواني  مسؤولية شرعيةوتاريخية و أخلاقية في مستقبل موريتانيا، فبعد الرئيس الحالي لا يمكن أن تستمر موريتانيا بوضعها وسيرها الحالي فإما أن تنفذ إصلاحات تضمن كينونتها وسيرها في الاتجاه الصحيح، و إما لا سمح الله في الحالة الأخرى أن تنهار..