رغم الانفتاح السياسي الذي أظهره الرئيس الغزواني، ومع تأكيده المضي في تنظيم حوار شامل لا يقصي أحداً ولا يستثني موضوعاً، ورغم تعيينه للسياسي المخضرم موسى فال منسقاً للحوار، فقد أظهرت مواقف المعارضة ممثلة في حزب التجمع الوطني ذي المرجعية الإسلامية الذي يتولى زعامة المعارضة، وفي النائب بيرام الداه اعبيد قائد المعارضة المتشددة، أن هناك عراقيل جمة تعترض هذا الحوار، وتجعل تنظيمه مهمة بالغة الصعوبة.
وبدأ منسق الحوار الوطني المرتقب، اتصالاته مع أطراف الساحة بمأدبة إفطار على شرف المرشح السابق للانتخابات الرئاسية النائب بيرام الداه اعبيد الذي يقود المعارضة المتشددة والذي غاب عن إفطار الرئيس الغزواني المخصص للإعلان عن التحضير للحوار، كما التقى قيادة حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية.
وجاءت أصداء هذه اللقاءات بما أبلغ به المنسق من شروط وممهدات، وما طولب به من ضمانات، لتظهر أن مهمة جمع الطيف السياسي الموريتاني بكافة ألوانه حول مائدة حوار جامع، مهمة صعبة، مع أن الرئيس الغزواني أكد أنه اختار الفترة الحالية لتنظيم الحوار لكونها خالية من الانتخابات والتجاذبات.
وعبر بيرام ولد اعبيد في تصريحات أعقبت لقاءه بالمنسق الوطني للحوار، عن رفضه لأي حوار لا يستخلص الدروس من الحوارات السابقة ولا يقدم ضمانات حول المنهجية المتبعة والمواضيع التي سيتم نقاشها مع تقديم ضمانات إلزامية بتنفيذ المخرجات.
وسبق للرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، أن قابل النائب ولد اعبيد وناقش معه ملف الحوار الوطني المرتقب، لكن ولد اعبيد وصف بأنه كان «ودياً»، لكنه أكد عدم تفاؤله بخصوص الحوار المرتقب، موضحاً أن الظروف لم تتهيأ بعد لتنظيم الحوار المطلوب». لكن النائب بيرام ولد الداه اعبيد، عاد أمس ليضع شرطاً كبيراً آخر لمشاركته في الحوار، ويتمثل هذا الشرط في حل قضية الشبان السبعة الذين قُتلوا خلال الأحداث التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الماضية في كيهيدي. وطالب ولد اعبيد أمس في مؤتمر صحافي «الرئيس الغزواني باستغلال شهر رمضان للقاء عائلات الضحايا في القصر الرئاسي واتخاذ خطوة جادة لحل هذا الملف المؤلم».
ويرى بيرام أن قضية من يسميهم «شهداء كيهيدي»، (قضوا في خضم مظاهرات غير مرخصة أعقبت الانتخابات الماضية)، يجب أن تكون «محور أي حوار جاد»، مضيفاً: «لدينا التزام تجاه هؤلاء القتلى». وأشار ولد اعبيد إلى «أن عائلات الضحايا، التي كانت تتعرض للترهيب والضغوط، لم تكن في البداية مستعدة لمطالبته بفتح تحقيق قضائي، لكنها لاحقاً توحدت وطلبت منه متابعة القضية».
أما رئيس حزب التجمع حمادي ولد سيد المختار الذي يتولى زعامة المعارضة فقد أبلغ منسق الحوار «بأن حزب التجمع منفتح على الحوار وساع إليه لوجود إشكالات وطنية كبرى تحتاج حواراً جاداً؛ لكنه شدد التأكيد على «أنه لا بد من مرحلة تمهيدية لتهيئة الحوار وضمان نجاحه ويأتي على رأس هذه الممهدات والضمانات، إطلاق سراح سجناء الرأي، وترخيص الأحزاب قيد التأسيس، وبلورة محاور الحوار في هذه المرحلة، وتحديد آلية الإشراف أو جهته والفترة المحددة لبلورة المخرجات، ووجود جهة واضحة ومحددة الصلاحيات لمتابعة تنفيذ المخرجات».
وشرح رئيس حزب التجمع لمنسق الحوار القضايا الكبرى التي تنبغي مناقشتها، ومن بينها الوحدة الوطنية وتعزيزها، ومخلفات الاسترقاق وماضي الإرث الإنساني، والإصلاح السياسي، والحكامة الرشيدة ومكافحة الفساد.
واقترحت دراسة فنية نشرها خبراء موريتانيون تأسيس مفوضية مكلفة بملف الحوار بدءاً بتنظيمه وانتهاء بضمان تنفيذ مخرجاته.
واقترحت الدراسة عشرين نقطة رئيسية موزعة على محاور عدة أولها الترتيبات الأساسية للحوار الخاص بتحديد الهدف الأساسي والأهداف الفرعية للحوار، والثاني محور موضوعات الحوار وآلياته وضع جدول زمني واضح للحوار، يشمل تاريخ انطلاقه، مدته، وعدد ورشاته، والثالث محور المبادئ والقواعد المنظمة للحوار التأكيد على الالتزام بقيم الحوار كالتقيد بالموضوع، واحترام الرأي المخالف، والمرونة في التعاطي، واحترام الوقت، والرابع محور آليات اتخاذ القرارات وتوثيق الحوار ووضع آليات واضحة لاتخاذ القرارات، مثل التصويت أو الإجماع أو التوافق، ثم المحور الخامس وهو محور التواصل مع المجتمع والمتابعة إطلاع الرأي العام الوطني على نتائج الحوار أولاً بأول، ثم وضع آلية واضحة لمتابعة تنفيذ القرارات والتوصيات التي سيتوصل إليها في الحوار.
وأوصت الدراسة الخبراء بالتمثيل العادل والمتوازن بين الأطراف المشاركة في الحوار الوطني الشامل وهي السياسيون، والمجتمع المدني، وقادة رأي، كما أكدوا على التمثيل المتساوي بين الموالاة والمعارضة على مستوى الحوار السياسي، كما أوصوا بإعطاء الوقت الكافي لمناقشة كل الموضوعات، وفي حال تعذر الاتفاق حول بعض القضايا والملفات المطروحة، يمكن للقائمين على الحوار تشكيل لجنة حكماء لتقريب وجهات النظر.
وحذرت الدراسة من فشل الحوار، ومن دوران موريتانيا داخل الحلقة المفرغة التي جعلت الحوارات السابقة مجرد أدوات بيد السلطة الحاكمة للتحكم في المشهد السياسي، وكذلك فرص لبعض السياسيين لتحقيق مكاسب شخصية
موريتانيا والحوار: المنسق موسي افال يبدأ اتصالاته برؤساء الاحزاب
