من ﺃﻳﻦَ ﺃﺑﺪﺃُ ﻭﺍﻟﺤﺪﻳﺚُ ﻏــﺮﺍﻡُ ؟
من أين أبدأ والحديث ذو شجون ؟
الساعي إلى تحليل واقع بلد معين - أيّ بلد - يحتاج إلى دراية تامة بذلك البلد ووفرة هائلة من المعلومات حوله حتى يكون التشخيص سليما دقيقا وتكون الأسئلة المطروحة أو الاستشكالات الواردة في محلها، أو يكون الرأي المقترح مقبولا منطقيا، لاسيما في بلد مثل موريتانيا، مترامي الأطراف متشابك الأمور قد اختلط فيه الحابل بالنابل وبلغ فيه السيل الزبى .
لابد إذن من كميات من المعلومات الهائلة - كما أسلفت - حتى ننطلق في السلسلة عن بينة ونتحدث عن المواضيع المتطرق إليها باستيعاب ووعي، وذلك ما لم ندخر فيه جهدا .
تجدر الإشارة هنا إلى أن تحليل واقع البلد يستوجب منا أن نتناول عدة جوانب فيه كما هو معلوم ( الجانب الاجتماعي، الجانب السياسي، الجانب الاقتصادي ) لارتباط هذه الأمور ببعضها، وأن نقف وقفة تأمل مع كل واحد من هذه الجوانب على حدة، لكن الذي نحن بصدد تناوله الآن هو تحليل الجانب الاقتصادي في موريتانيا فقط، ولن نتطرق لأي جانب آخر من تلك الجوانب ( الاجتماعي والسياسي ) إلا ما دعت إليه ضرورة الحاجة وللضرورة أحكامها..
ونبدأ في تشخيص هذا الواقع الموريتاني أو في طرح هذه الأسئلة الواردة من خلال العنوان الذي اتخذه النظام الحاكم شعارا له في مأموريتيه ( محاربة الفساد ).
وأنا أطرح هذه الأسئلة أو أضع هذا التحليل بوصفي مواطنا موريتانيا يريد الإصلاح لشعبه ولدولته ولأمته، لست أنظر إلى الدولة من زاوية المعارضة ولا زاوية الموالاة، إنما أنظر إليها بوصفي مواطنا موريتانيا يرى في الدولة إمكانية توفير العيش الكريم لشعبها الطيب الذي يستحق فيها العيش الكريم ويستحق أن ينعم بخيراتها، لكن ذلك لم يقع !
هل وقعت حقّا محاربة الفساد ؟ هل نحن نسلك الطريق الصحيح لمحاربة الفساد ؟ أم نوزع الفساد بطريقة حديثة عبر وجوه جديدة ؟
إن الشعب الموريتاني والحال هذه لينقسم في تصنيف محاربة الدولة للفساد إلى قسمين :
1 - قسم يرى هذه المحاربة واقعة بالفعل وإن كانت تسير بوتيرة بطيئة، لكنهم يفصلون في ذلك بين المأموريتين حيث يرون هذه المحاربة بدأت تسرع الخطو في الاتجاه الصحيح مع المأمورية الثانية أكثر من الأولى وإن خلت من هذه المأمورية شهور فقط، ويستدلون على ذلك بتجريد بعض المديرين من المهامّ الموكلة إليهم بعد التحقيق معهم واكتشاف سوء التسيير لديهم .
2 - بينما يرى القسم الثاني أن شعار محاربة الفساد مجرد عنوان رفعه النظام الجديد قد استشرى الفساد من خلاله في مفاصل الدولة، وصار مدخلا لتصفية الحسابات القديمة والجديدة بين الأشخاص .
ومن خلال هذه الآراء المتباينة بين هذين القسمين في تصنيف محاربة الفساد نجد هناك بعض الأسئلة التي تطرح نفسها، بل ونطرحها نحن من غير ميل لأحد الرأيين السابقين، ويطرحها المواطن الموريتاني الذي لا يفهم في غير ما يراه مجسدا مادّيا على أرض الواقع، هل ساهمت محاربة الفساد في انتعاش الاقتصاد الموريتاني ؟
هل انعكس انتعاش الاقتصاد الموريتاني على أرض الواقع ؟
هل انتقال الميزانية إلى ما يقارب الضعفين خلال المأموريتين في ظل هذا النظام الحالي ظهرت نتائجه على المستوى المعيشي في البلاد ؟ هل ظهرت نتائجه على تطور العمران والبنى التحتية في البلاد ؟
وهل التغير الذي جرى - إن كان هناك تغير - يتناسب مع حجم زيادة الميزانية والأموال المهدورة فيه ؟
وإذا كانت الإجابة بالنفي فما السبب في ذلك يا تُرى ؟ ومن يتحمل المسئولية في وقوع الخلل أثناء التطبيق ؟
كتبه ولد ابُّوه محمد