لا ينكر الأهمية الكبيرة للهيئات الرقابية للدولة إلا مكابر ،سيما في بلد مثل بلدنا حيث بلغ الفساد المالي والإداري أقصى مراحله، وهو الأمر الذي دفع فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني إلى تفعيل الهيئات الرقابية ومنحِها الصلاحيات الكاملة التي تمكنها من أداء مهامها بشكل يتناسب مع حجم الأدوار المنوطة بها.
بيد أن ظاهرة تصفية الحسابات السياسية وتقييد أيدي الخصوم السياسيين بغض النظر عن استقامتهم وكفاءتهم أمر ينذر بالخطر وينبغي التصدي له من طرف القوى الحية والرأي العام.
في هذا الإطار نتناول موضوع تفتيش موريبوصت لنترك للمتابع الحكم بنفسه ولنلفت الرأي العام الوطني إلى هذه القضية والتي لا تعني المدير العام لموريبوصت فقط وإنما كافة الأحرار الذين يرفضون الظلم.
●البداية
تولى المدير العام للشركة الموريتانية للبريد السيد علي ولد عيسى إدارة موريبوصت نهاية سنة 2021 وحسب محاضر تبادل المهام بين المديريْن فإن أكثر من 5.2 مليار أوقية قديمة من أموال المؤسسة توجد على شكل رواتب مقدمة وتسهيلات لخصوصيين،دون أن تجني منها المؤسسة أي أرباح.
فضلا عن وجود أزيد من 18998 حسابا جاريا لم تجرِ عليها أي معاملة منذ سنة 2009 كانت الشركة تحتسب عليها ضرائب سنوية بلغت 502 مليون أوقية وهو مايعني أن الضرائب المفترضة عليها عائدات وهمية.
في حين كانت الشركة مطالبة بمبلغ 500 مليون أوقية قديمة خلال سنة 2021.
في ظل هذه الوضعية المالية الصعبة وعلى جانب آخر كانت المؤسسة تعيش خارج التاريخ،تغلق مكاتبها في الداخل الواحدَ تلوَ الآخر،ومالم يغلق فهو في حكمه نتيجة انعدام السيولة الكافية لتسديد ودائع العملاء.
ولن أتحدث عن مظاهر الصمصرة والرشوة ونحو ذلك ففي جعبة كل منكم لاشك ما تشيب له الولدان.
أما عمال المؤسسة فموقنون بنهاية حتمية للمؤسسة تنتهي في أبسط حالاتها بإعلان إفلاس المؤسسة وتشريد عمالها ...!
●الخطة الاستعجالية
منذ توليه للمؤسسة أدرك المدير العام للشركة الموريتانية للبريد أن الخدمات البريدية التقليدية، وبيع الطوابع البريدية، وخدمات الحوالات وحدها؛ لا يمكن أن تحل مشاكل موريبوصت المالية والخدمية، لذلك عمل على خلق ديناميكية جديدة في المؤسسة تعيد لها مكانتها كمؤسسة سيادية وطنية.
وفي هذا الإطار تم تشكيل لجنة لمنح التمويلات على شكل مرابحات إسلامية حسب النظم المتبعة في المؤسسة سابقا وما يخوله المشرع الموريتاني ولكن هذه المرة مع إضافة امتيازات تستقطب عملاء جدد.
وقد مكنت هذه الخطة من استقطاب آلاف الموظفين العموميين الذين وطنوا رواتبهم لدى موريبوصت واستفادوا من تمويلات تلبي احتياجاتهم وبنسبة أرباح أقل من المعهود لدى البنوك.
وهو ما حقق للمؤسسة طفرة مالية مريحة،إذ لديها في حسابها اليوم ما يقارب المليار أوقية.
●تنمية عامة
ولأن الموارد المالية للمؤسسة هي السبيل الأوحد لتطوير المؤسسة فقد تم توسيع شبكة مكاتب موريبوصت في البلاد حيث تم :
-افتتاح أزيد من عشرة مقرات جديدة من بينها مقرات في أماكن تتواجد فيها موريبوصت حصرا عن البنوك الأخرى.
وثلاث مقرات في انواكشوط من بينها مكتب حديث للبريد السريع يمثل السيادة الوطنية للدولة.
-تعزيز وتكوين الكادر البشري للمؤسسة ليوائم التطور الذي تشهده.
-رقمنة الأرشيف وتحيين معلومات الزبناء حيث يمكن اليوم استخراج كافة الملفات من خلال ضغطة زر بعد أن كانت تضيع وتتلف.
-بناء شراكات قوية مع المؤسسات الحكومية؛مكنت هذه الشراكة من دخول موريبوصت كذراع حكومي للدولة يُعنى بإيصال الإعانات الاجتماعية التي تقدمها وزارة الشؤون الاجتماعية لأصحاب الأمراض المزمنة والمعاقين على عموم التراب الوطني.
وخلال هذه العملية وإلى اليوم لم يلاحظ أي اختلال في التزامات موريبوصت.
●الإصلاح الإداري
في مجال الإصلاح الإداري عمل المدير العام على تنقية المؤسسة من كافة الممارسات غير السليمة التي كانت توجد في المؤسسة وقرّب الخدمة من الزبناء بما يقطع الطرق الملتوية أمام أصحاب الممارسات المشبوهة.
●التفتيش أو التحريض
كما تقدم فإن أي إجراء إداري من شأنه تعزيز الشفافية المالية أمر مطالب به،ولعل المدير العام نفسه هو أول من سيسعى له،بيد أن إجراء تفتيش نزيه هدفه الوقوف على وضعية مرفق من مرافق الدولة،يختلف تماما عن تحريض وتسليط مؤسسات الدولة من جهة والأقلام المأجورة من جهة أخرى على الخصوم السياسيين بغية تشويه صورتهم المعنوية والقضاء على مستقبلهم المهني.
ولتوضيح هذه القضية تجدر الإشارة إلى أن نفس الأشخاص والصفحات التي هاجمت المدير العام إبان بعثة البنك المركزي هي التي تحتفي الآن طربا بقدوم المفتشية العامة للدولة،وهي حسابات في أغلبها يديرها نفس الأشخاص وتعمل لنفس الجهات ولا يهمها الفساد المالي والإداري وإنما ما تسكت به أمعاءها فقط وترضي به أسيادها.
في حين تتوالى الإشادات من مرتادي هذه المؤسسة وزبنائها وعمالها الذين تتعالى أصواتهم بكفاءة ونزاهة وتواضع مديرها وبعده عن الشبهات،ويعبرون عن امتنانهم له في كل مناسبة.
ويبقى الحكم على قرار المفتشية العامة للدولة مرهونا بطبيعة المعطيات التي ستبني عليها تقريرها وعلى حكمها النهائي الذي سيمثل بالنسبة لعمال المؤسسة أمرا مصيريا يتوقف عليه استمرار نهج الإصلاح والتطور أو لا قدر الله العودة إلى ماقبل التاريخ،أما بالنسبة للمؤسسة ففي كل الأحوال ستسجل للمدير العام هذه القفزة النوعية التي نقلتها من وحل التردي إلى مؤسسة يسيل لعاب المسؤولين لها،و"يُنكفرُ" لبعضهم بها في المجالس الخاصة.
وبالنسبة للعارفين بالمدير العام فهو محل كل تنزيه واحترام،بعيد عن الشبهات لا يعرف للمال العام طريقا،قريب من الضعفاء والمساكين.
الصديق يحي محمد الامام