ملاحظات حول الملف المثار حاليا: (بعد أن استعاد الكل حريتهم)
قبل التدوين:
لا بد من التنبيه إلى إكراهات ذلك، ومنها:
1. أن أي حرف "يخط" في الموضوع لا بد أن يتم تصنيفه مع هذا الطرف، أو ذاك، حتى ولو كان ذاك بعيد كل البعد من حقيقته وهدفه.
2. أن العديد من "رواد" هذا الفضاء، ومن المهمتين بما يتم تداوله فيه، يقرؤون الكاتب قبل المكتوب، وأحيانا يصدرون أحكاما بناء على ذلك، قد تصل درجة مناقضة المكتوب (فهم ينطلقون من موقف مسبق بغض النظر عن النص المرسوم أمامهم)
3. أن هذا الملف، ومثله ملفات أخرى قد تظهر لاحقا، ليس أكثر من صراع لوبيات داخل السلطة، وفي حواشيها المالية والروحية، وفي سبيل ذلك يتم استغلال كل شيء.. (تبرز في هذا الملف بصمات رجل أعمال نافذ، وأحد وزراء السيادة وساسة ورجال أمن)، والراجح أن هذا الصراع والتنافس سيتصاعد ويتنوع أكثر خلال السنوات القادمة في أفق 2029.
4. أن النخب المسيطرة عسكريا وأمنيا وسياسيا واقتصاديا تعتمد "أسلوب التوريط"، فهي لا تقبل أن يدخل "حيزها الخاص" إلا من تورط معها في "جرائمها" بكل أنواعها، وهذا ما سيجعله يتفادى ما يثير الشبه حول الموضوع، أحرى أن يندفع فيها بحماسة، لأنه في النهاية "يورط نفسه" تأكيدا، وتوريطه لغيره مجرد احتمال.. (لخص السياسي والوجيه الاجتماعي بيجل ولد هميد هذه الفكرة في خلاصة بديعة إبان استهدافه وتهديده بالسجن، حين قال: "إن النخب الموريتانية الحالية لا يستطيع أي منها أن يمد أصبع الاتهام في الآخر".
5. أن تاريخ "الملفات القضائية الكبيرة" في هذه البلاد، من المخدرات ذات الخطر البالغ إلى الفساد المالي، إلى غسيل الأموال.. من الصعب أن تثار أصلا (في الحالات النادرة التي تثار فيها يكون الأمر نتيجة صراع داخل الكتلة الحاكمة، وسرعان ما يتم احتواؤه بأكثر من طريقة)، وفي حال أثيرت فإنها تقتل ببطء مع بدايات مراحل التقاضي، أو عبر التسويف والتمطيط حتى يمل الرأي العام، ويتراجع اهتمامه فيختفي الملف تدريجيا، وفي حال تجاوز هذه المرحلة، كما حصل في ملفي المخدرات اللذين تورط في أحدهما ممثل الأنتربول في موريتانيا سيدي أحمد ولد الطائع، إضافة لميني ولد السوداني، وباركلل ولد اكريميش حيث لم يتم احتواء الملف إلا بعد المحاكمة والإدانة (ربما بسبب انشغال المنظومة حينها بتداعيات مع بعد انقلاب 2008)، فسيتم إنهاؤه، وإخراجهم منه بأي طريقة، حتى ولو استدعى ذلك عفوا رئاسيا (صدر يوم 15 فبراير 2011)، وبالمناسبة كان العفو في ذكرى المولد النبوي الشريف، وتم التغطية على الموضوع بإخراج السياسي بيرام الداه اعبيد بنفس المناسبة بعيد قضية إحراق الكتب، فغطى خروجه بنجاح على العفو عن بارونات المخدرات (من مفارقات هذه القضية أن العفو تضمن تخفيض عقوبة أحد زعماء العصابة وهو فرنسي يسمى أميغان والتير، وبعد خروجه من السجن أصدرت موريتانيا مذكرة بحث عنه تطلب فيها من الدول الأخرى اعتقاله)، وكذا ملف سيدي محمد ولد هيدالة حيث خرج هو الآخر بعفو رئاسي بمناسبة عيد الفطر المبارك (يونيو 2020).
والآن إلى الملاحظات على الملف:
1. يمكن التأريخ – قانونيا – لبداية الملف بالبيان غير المبين (سأبين ذلك في فقرات لاحقة) الصادر عن النيابة العامة يوم 18 سبتمبر 2024.
2. صحيح أن القضية أثيرت قبل ذلك في فضاءات التواصل الاجتماعي، لكن هذا لا يشكل خصوصية لها، فقد سبق وأن أثيرت مرات عديدة، كما أثيرت ملفات مشابهة لها دون أن يترتب عليها أي شيء.
3. شكلت السلطة لجنة توحي تشكلتها بمنح أهمية كبرى للقضية، حيث تولى رئاستها المدعي العام لدى محكمة الاستئناف، وبعضوية وكيل الجمهورية بنواكشوط الغربية، وضباط من الدرك والشرطة، وبالاستعانة بخبراء من البنك المركزي الموريتاني.
4. أوقف الأمن بعد ذلك ملاك صرافات كانوا في نواكشوط، واستدعى آخرين كانوا في الخارج، واستمعت اللجنة للجميع، ثم أخلي سبيلهم.
5. تفرع الملف لاحقا إلى ملفات أخرى بعضها متعلق بـ"كلاب الدرك"، وربما يتعلق آخر لاحقا بـ"كلاب الشرطة"، أو "كلاب الجيش" أو غيرهم..
6. قلت إن بيان النيابة العامة "غير مبين" لأنه:
- تحدث عن "بث ونشر أخبار وإشاعات، حول حصول وقائع مخالفة للقانون"،
- وعن أمر النيابة العامة "للضبطية القضائية بفتح بحث ابتدائي من أجل كشف حقيقة الأخبار والإشاعات وما نشأ عنها".
- لم يقدم البيان في الفقرتين أي "معلومة" مفيدة للرأي العام، فهذا الفقرات يمكن أن تتعلق بأي خبر أو إشاعة.. ولا يمكن الجزم بتعلقها بموضوع معين أو قضية محددة.. حتى وإن رجح توجهها لهذا الملف تحديدا، والذي لا أحد يعرف من حيثياته سوى "تداول إشاعات وأخبارا"..
- قالت إن هدف التحقيق هو "الوقوف على الحقائق من خلال الأدلة والمثبتات القانونية"، وبعد قرابة شهر من صدور البيان لا أحد يعرف الآن حقيقة "الأخبار" أو "الشائعات"، ولا عدد من يتشبه بهم في "الوقائع المخالفة للقانون"، ولا من تم توقيفهم؟ وهل هم كل المطلوبين في الملف أم زال بعضهم خارج قبضة الأمن؟ ولأي سبب أوقف من تم توقيفهم وصودرت حريتهم؟
- كما أنه لا أحد يعرف لماذا أطلق سراحهم بعد التوقيف والتحقيق؟ وهل خرجوا بضمان أو بحفظ الملف في حقهم؟ وهل انتهى الملف أم ما زال مستمرا؟ وما هي طبيعته؟
- الحقيقة الأولى، أن النيابة العامة تحدثت سابقا دون أن تقول شيئا، ثم صمتت حيث يجب أن تتكلم..
- والحقيقة الثانية، أن حق الرأي العام في معرفة الحقيقة، ودور النيابة العامة في ذلك، وضرورة مكاشفته بالمعلومات التي لا تضر التحقيق بل قد تخدمه أمر ضروري (قيمة الاحترافية هي توظيف الإعلام لاحترام حق الرأي العام في معرفة ما يجري، ولخدمة الحقيقة والتحقيق).