يقول محمد السالك ولد هيين، المدير السابق للشركة الوطنية للصناعة والمعادن (سنيم)، في مقابلة مع «صحراء ميديا» (سلسلة بودكاست «تكملة») إن الرئيسَ المختار ولد داداه كان يوزع بنفسه الجوائزَ على التلاميذ المتفوقين خلال الحفل السنوي لاختتام السنة الدراسية، وإن ظروفَ دراستهم وعيشهم في السكن الداخلي للثانوية الوطنية كانت في ذلك الوقت أكثر من ممتازة، وإنه بعد حصولهم على الباكالوريا أُعطُوا الخيارَ التام في تحديد الدولة التي يفضلون الدراسةَ فيها والتخصص الذي يرغبون في دراسته. كما يذكر أنه رغم خوضهم إضراباً سياسياً (بتحريض من حركة "الكادحين" المناوئة للنظام)، حيث بقوا لسنة كاملة في الوطن رافضين العودة لجامعاتهم في الخارج، فقد رفض المختار قطعَ مِنَحهم، حرصاً منه على استمرار مسارهم الدراسي جميعاً.
والحقيقةُ أن اهتمام المختار بالتعليم كان اهتماماً حقيقياً وشاملا ونابعاً من رؤية عميقة للمدرسة بوصفها الوسيلةَ الأكثرَ فعاليةً لتغيير المجتمعات وتطوير عقلياتِها والنهوض بمجالات حياتها، وهذا ما أكد عليه في أول خطابٍ له بعد تعيينه نائباً لرئيس حكومة الاستقلال الداخلي عام 1957، كما أكد عليه في خطابه خلال مؤتمر ألاك في العام التالي.
وكان المختار قد احتفظ لنفسه بحقيبة التعليم والثقافة والشباب والتكوين خلال الحكومات الأولى مِن عام 1958 إلى عام 1962، كما ظلت الدولةُ الموريتانية على مدى عقدين من الزمن تخصص نحوَ ربع ميزانيتها للتعليم والتكوين، وهي أكبر نسبة من نوعها في تاريخ العالَم. وكان الموضوع الرئيسي في خطابات المختار خلال جولاته في الداخل حثّ الموريتانيين على إلحاق أطفالِهم بالتعليم العصري، مكررا القول في كل جولة إنه «بدون ذلك لن يكون للاستقلال الذي حصلنا عليه أي معنى أو قيمة». وخلال هذه الجولات كان يحرص دائماً على اصطحاب شاحنات محملة بالأدوات واللوازم المدرسية.
كما كان المختار ينظم حفلا سنوياً آخر يدعو فيه الأساتذةَ العرب العاملين في بلادنا إلى عشاء في الرئاسة، وبسبب ذلك ربطته علاقةٌ خاصة مع بعضهم لاسيما منهم التوانسة الذين احتفظوا له بالجميل فكانوا يزورونه خلال سنوات منفاه في تونس (1979-1987).
ولا شك في أن مركزية التعليم ضمن اهتمامات الرئيس المختار هي ما دعاه إلى صرف الخمسة ملايين دولار التي أرسلها له الرئيسُ الزائيري موبوتو سيسيكو، كهدية شخصية، على إنشاء وتشييد صرح تعليمي مهم سيكون له الأثر الأكبر في مسيرتنا التعليمية والتربوية لاحقاً، ألا وهو المدرسة العليا للأساتذة والمفتشين.
والحقيقة أن المختار أدرك منذ وقت مبكر ذلك التناقضَ الجذريَّ بين البنية القبلية للمجتمع وبين مشروع الدولة العصرية الوطنية، ورأى بحسه الاستراتيجي وخياله السياسي أنْ لا إمكانيةَ لاختراق تلك البنية المتكلسة وتفكيكها إلا من خلال نشر التعليم العصري وتعميمه على أوسع نطاق، وهذا ما عمل على تحقيقه بكل جد واجتهاد ووعي وتبصر.