تعيين محمد ول اسويدات: أبعاد سياسية.. وتداعيات محتملة

أثار تعيين محمد ولد اسويدات وزيراً في الحكومة الحالية جدلاً واسعاً، حيث تحدث البعض باستغراب عن إعادة الثقة في وزير تمت الاطاحة به على خلفية معارضة ومغاضبة وصلت حد المواجهة مع الوزير الأول، وكانت منصات التواصل الاجتماعي ميدانا لتلك المواجهة وسال بسببها مداد كثير حتى أصبحت قضية رأي عام وطني.. ففي حين اعتبر البعض أن هذا التعيين يستبطن تشجيعا على المغاضبة حيث يمكن لكل وزير أن يأخذ حصته من المناصب الانتخابية ثم يغاضب في باق المواقع مستخدما هيبة الدولة وسلطتها وجاهها ليفرض بذلك معادلة سياسية تكون أمرا واقعيا لا بد من التعامل معه.

ولمعرفة طبيعة هذا التمثيل الحكومي وأبعاده السياسية وتداعياته المحتملة، سوف تكون النقاط الآتية محاولة لفهم وتحليل هذا التوزير.    

1.    خلفية الوزير ومواقفه السياسية:
لم يكن محمد ولد اسويدات معروفا لدى ساكنة مقاطعة ألاك قبل استحقاقات البلدية 2013، فقد بدأ حياته المهنية موظفا عاديا برتبة رئيس قسم لدى الشركة الوطنية للماء، ولعله من محاسن الصدف أن يعين على هذه الشركة المرحوم الشيخ عبد الله احويبيب ليبدأ ولد اسويدات التدرج في مدارج الشركة إلى أن وصل رتبة مدير، ولحد هذه اللحظة لا تعرفه ساكنة ألاك ولا يعرفها، ولا منزل له في طول المقاطعة وعرضها.

ثم جاءت فترة ما بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب سيد محمد ولد الشيخ عبد الله، ولأن الرئيس أحد أبناء المقاطعة تكتل جل أبنائها في خط معارضة الانقلاب.

جرت مياه كثيرة تحت الجسر السياسي وتبدلت المواقف والمواقع،.....

 وجاءت انتخابات تشريعية وبلدية في هذا الخضم لتقوم الدولة المنقلبة بترشيح العمدة محمد ولد اسويدات، وينجح عمدة بصعوبة و في الشوط الثاني ليدخل بعد ذلك المعادلة السياسية أمينا عاما للداخلية، ثم وزيرا، فمستشارا، فوزيرا.
 
أما مواقفه السياسية، فلعل أبرزها وأكثرها إثارة وتناقضا هو لقب الوزير المغاضب الذي اشتهر به خلال الاستحقاقات النيابية والبلدية سنة 2023، حيث تصدى لمرشح الدولة "وعلى رؤوس الإشهاد" ليأخذ بذلك "مغاضبة" عمدة بلدية ألاك، وأحد نوابها مناصفة مع فرقاء حزبيين، لتتم إقالته مباشرة بعد الانتخابات.

2.    نتائج الأداء الانتخابي في مقاطعة دار النعيم:

خلال الاستحقاق الرئاسي الماضي 2024 كان معالي الوزير منسقا جهويا لمقاطعة دار النعيم في ولاية نواكشوط الشمالية، وكانت نتائج المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني متواضعة جدا، حيث حل في المرتبة الثانية بعد المرشح بيرام الداه اعبيد، والمفارقة أن بيرام نفسه ترشح ضمن لائحة بلدية سنة 2023 وحل في المرتبة الرابعة، مما يعني تراجعا ملحوظا لدى داعمي النظام في هذه المقاطعة، فمن المسؤول يا ترى عن هذا الاخفاق؟  


3.    تساؤلات حول التعيين وحصة مقاطعة ألاك:

عادة يكون التعيين بعد أي استحقاق انتخابي انعكاسا للخريطة التي انبثقت عن ذلك الاستحقاق، وعليه فلا يمكن أن يكون تعيين ولد اسويدات في إطار حصة مقاطعة ألاكـ، وذلك أسباب عديدة، منها: 
-     أن الوزير محمد ولد اسويدات فقد منصبه بسبب موقفه المغاضب الذي نتجت عنه خريطة انتخابية ما تزال تداعياتها معاشة حتى اليوم، فتكاد تكون عاصمة ولاية البراكنة   هي العاصمة الوحيدة التي خسرها الحزب الحاكم، وطبعا كان ذلك بسبب معالي الوزير، وعليه فالعامل الذي أطاح به  كوزير ممارس لعمله ما زال قائما. اضيف له فقط إخفاقه فى دار النعيم  
-    يبدو أن الوزير خلال الاستحقاق الرئاسي الماضي شغلته دار النعيم عن توفير ومتابعات آليات نقل المسجلين على اللائحة الانتخابية الذين سجلهم من بقاع شتى ومن مقاطعات متفرقة خلال نشوة مغاضبة سابقة، فكانت نتيجة المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني قريبة من النتيجة التي حصل عليها مرشح الحزب الحاكم محمد ولد أحمد شلل...، إذ لو تم نقل أولئك المسجلين لزاد الداعمون لولد غزواني بالضعف وزيادة،...

 مما يعني أن شعبية ولد أحمد شلل التي صوتت له خلال ترشحه للبلدية هي وحدها التي صوتت لولد الغزواني.
-      أن حاضنة معاليه  الاجتماعية قد بدأت تأخذ مسافة منه، وبدأت إعادة ترتيب بيتها وتنظيم أوراقها والاعتماد على نفسها.. وليست مبادرة فندق "موري سانتر" عنا ببعيد، فقد استطاع ما كان يعرف بالحاضنة السياسية لمعالي الوزير أن يقيم نشاطا سياسيا كانت خارطة حضور الأسرة فيه ومن خلفها رموز الولاية عميقة الدلالة والانتشار، وكانت رسائله واضحة الأهداف والمرامي، وكان معالي الوزير "وربما الوحيد" الذي غاب عن المشهد البركني المهيب وعاضبه مرة أخرى.
-     أنه من المستبعد أن تحاكي الدولة ما يعرف شعبيا بـ"دفلة الأعمى"، فتأمر الفرقاء السياسيين المحلين بالمرابطة ميدانيا وببذل كل الوسع من أجل إنجاح فخامة الرئيس، ثم تقوم بتوزير طرف من خارج المعادلة كان قد كلف بمقاطعة أخرى حساسة خارج الولاية "فشل أو نجح تلك قصة أخرى".


لكن ما هو مؤكد، أن أهل مقاطعة ألاكـ، ما يزالون يندبون حصتهم الحكومية المتعثرة، والتي تعتبر استحقاقا تاريخيا وسياسيا ردا من القائمين على الشأن العام لجميل صنعهم وتشجيعا ودعما معنويا لهم كي يواصلون  انسجامهم الحزبي وعطاءهم الانتخابي.

فأن يفوت المقاطعة رأس إحدى الوزارات بسبب الضغوط  وعول وانكسار مجموع الوزارات... فلن يفوتها أن تجد من الأمانات العامة والإدرات المركزية ما يملأ الفراغ ويطمئن النفوس.

4.    تأثير التعيين على الاستقرار السياسي:
الدمج بين المناصب البلدية والنيابية والتنفيذية لفريق سياسي واحد يشكل حالة من الاستحواذ السياسي، يثير تساؤلات حول عدالة توزيع السلطة. وجدوائية العمل الميداني والانسجام الحزبي خاصة أن كل هذا حصل بهيبة الدولة ونفوذها وليس كسبا شخصيا لا يمكن الاستدراك عليه.

فحالة مفوضة الأمن الغذائي في مقاطعة جكني فاطمة بنت خطري حالة منطقية، حيث تركت المناصب النيابية لخصومها وبذلت كل وسع في إنجاحهم، لذلك كان من المعقول احتفاظها هي بموقعها التنفيذي حتى خلال المأمورية الثانية.

أما غير ذلك من التوريم السياسي واحتكار المناصب الانتخابية والتنفيذية فإنه من السياسات التي تؤدي إلى تعميق الفجوات السياسية وتعزيز الاستياء العام. وسوف يُنظر إلى هذا التعيين كخطوة تُضعف من مصداقية العملية السياسية وتؤثر سلباً على أداء الفاعلين السياسيين في المقاطعة.  

وهذا ما يتطلب سرعة في معالجة هذه الاختلالات. من خلال إرسال رسائل واضحة المضامين والأهداف،....

أعتقد أن الأسابيع القادمة صالحة لأن تكون ظرفا لمثل هذه الرسائل وتلك التطمينات.