أحمد محمد المصطفى - [email protected]
واكبت سحر الثلاثاء إعلان الحكومة الجديدة من داخل القصر الرئاسي، حيث أعلنها الوزير الأمين العام للرئاسة مولاي ولد محمد الأغظف بعد نحو أربع ساعات من الانتظار (كنت قد علقت لصديقي علال حالي على صفحته في فيسبوك بأن هذا هو متوسط دلالة "قريبا" عند الحكومة).
وصلت القصر الرئاسي نحو منتصف الليل، كنت من أوائل الواصلين، حيث كانت منصة الحديث خلوا من الميكرفونات، وكان ميكرفون الأخبار أول ماوضع عليها، لينضاف إلى الميكرفون المثبت عليها.
كان مخاض الحكومة – على ما يبدو – عسيرا، فمع أنهم كانوا يؤكدون كل نصف ساعة تقريبا أنهم جاهزون لإعلانها، إلا أن الوقت تمطط وتمدد حتى ما بعد الساعة الثالثة فجرا، حيث وصل ولد محمد الأغظف، وبدأ في قراءة أسماء أعضاء الحكومة، وبعد أن أكملها تنحى جانبا ليعتذر للصحفيين عن التأخير الذي جعلهم ينتظرون طويلا.
بعيد اكتمال قراءتها، كانت المفاجأة بادية على ملامح الصحفيين، خصوصا من تحدثوا عن الحكومة على صفحاتهم في فيسبوك، أِثناء انتظارها، وصدرت منهم توقعات أو ترشيحات، ومن بين التعليقات التي صدرت من بعضهم أنها "حكومة بلا ملامح"، أحدهم وصفها بأنها "حكومة مرتبكة"، فيما علق ثالث بأنها أكثر ما ستفتقده – بناء على تجربته – هي أول صفة ذكرها الوزير الأول في أول تصريح له، أي "الانسجام"، فيما أكد بعضهم أن يد الوزير الأول الجديد – خلافا لما أشيع – لم تكن طليقة في تشكيلها.
قد تكون هذه هي أكثر حكومات البلاد عددا، فمرسوم التعيين ضم 29 حقيبة، (حكومة الرابع يوليو 2023 كانت من 26 حقيبة، وحكومتا 31 مارس 2022، و09 أغسطس 2019 ضمت كل منها 25 حقيبة، وحكومة 09 أغسطس 2020 ضمت 23 حقيبة. طبعا تضاف لهذه الحقائحقائب الوزراء في الرئاسة، وكذا أصحاب رتبة وزير. (الحكومة الوحيدة التي تجاوزت هذا العدد الحكومة الأخيرة حسب اطلاعي هي حكومة ولد الوقف الثانية، والتي تضمن مرسومها 30 حقيبة).
وإذا أضيف لهذا العدد، وزراء الرئاسة والذين يحضرون اجتماع الحكومة الأسبوعي سيرتفع العدد إلى 33، وحين يضاف لها من هم في رتبة وزراء (مع أنهم لا يحضرون الاجتماع) سيقفز العدد إلى 37.
تتوزع الحكومة الجديدة إلى:
- 11 وزيرا من الحكومة المنصرفة تم الإبقاء عليهم في الحكومة الجديدة، 6 منهم في نفس الحقائب التي كانوا يتولونها، وهم محمد محمود بيه، ومحمد سالم مرزوك، وحننا سيدي حننا، ومحمد أحمد محمد الأمين، وامم بيباته، وصفية انتهاه، (شكل وزير الدفاع استثناء من بينهم حيث إنه الوحيد الذي يشغل نفس الحقيبة منذ أغسطس 2019، بينما حافظ زميله ولد مرزوك على البقاء في الحكومة لكنه انتقل من الداخلية إلى الخارجية)، و5 حولوا إلى حقائب جديدة، وهم مختار حيسنو لام حول من الصيد إلى الأمانة العامة للحكومة، ومحمد عبد الله ولد لولي، حول من الرقمنة إلى تمكين الشباب والرياضة، وسيدي يحيى شيخنا لمرابط، حول من الوظيفة العمومية إلى الشؤون الإسلامية، وزينب بنت أحمدناه، حولت من التشغيل والتكوين المهني، إلى التجارة والسياحة، وانياغ مامادو، حول من التعليم العالي والبحث العلمي، إلى الإصلاح الترابي والإسكان والعمران،
- 12 شخصية يتولون منصب وزير لأول مرة في مسارهم المهني (سيد أحمد ابوه، هدى باباه، يعقوب امين، عبد الله وديه، أحمد سالم ابده، محمد خالد، الفضيل سيداتي، المختار كاكيه، اعلي الفيرك، الحسين ولد مدو، يعقوب سالم فال، كوجوري هارون انݣينوري).
- 6. سبق لهم أن تولوا حقائب وزارية، ثلاثة منهم خلال حكومات غزواني السابقة (محمد ماء العينين ولد اييه، محمد ولد اسويدات، اتيام تيجاني) واثنتان قبله خلال حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز (آمال مولود، مسعودة بحام)، وواحد خلال رئاسة المرحلة الانتقالية التي قادها الراحل با امباري رحمه الله تعالى (المختار أحمد بوسيف).
من بين أعضاء الحكومة الجديدة شباب من ذوي الكفاءة والخبرة. هذا لا جدال فيها، لكن بعضهم عين في قطاعات بعيدة عن اختصاصه العلمي، وهو معرض للكثير من العقبات والحواجز لو عين في اختصاصه، فكيف سيكون في غيره؟ ثم هل تكفي الكفاءة والخبرة وحدهما للإنجاز؟
الواقع أن التجربة القريبة تقول إن الكفاءة الخبرة وحدهما لا تكفيان للإنجاز، وخصوصا في ظل واقع القطاعات الحكومية، وما يعشعش فيها من فساد، وما تعرفه من تغول لوبيات قادرة على عرقلة وحتى إسقاط من تريد إسقاطه.
قد يكون من حلول هذه المعضلة المستعصية، والتي أعاقت تجارب "إصلاحية" كان بالإمكان أن تشكل استثناء:
- أن يوكل للوزير اختيار فريق عمله دون تدخل،
- وأن تخول له الصلاحيات اللازمة للقيام بما يحقق أهدافه،
- وقبل ذلك أن يكون من أهل الاختصاص والخبرة والكفاءة في المجال،
- وأن يطلب منه إعداد تصور إصلاحي ينطلق من تشخيص لواقع القطاع الذي سيعمل فيه، ويتضمن خطة واضحة المعالم لإصلاحه،
كانت المحاصصة القبلية حاضرة بقوة، بل صارخة، وكذا المحاصصة الجهوية، فجل القبائل أو الجهات التي خرج منها وزراء كانوا أعضاء في الحكومة السابقة، دخل منها آخرون في الحكومة الجديدة، وإليكم الأمثلة:
- خرج إسلم ولد محمد امبادي، دخل سيدي أحمد ولد ابوه،
- خرج عبد السلام ولد محمد صالح، دخلت مسعودة بنت بحام
- خرج محمد يحي ولد السعيد دخل محمد ولد اسويدات،
- خرج المختار ولد داهي دخل يعقوب ولد امين،
- خرج محمد عالي سيدي محمد، دخل سيدي أحمد بنان،
- خرج الداه ولد سيدي ولد أعمر طالب، دخل اعل ولد الفيرك،
- خرج المرابط ولد بناهي دخل الحسين ولد مدو، وآمال المولود
- خرج إسماعيل ولد عبد الفتاح دخل عبد الله ولد وديه
- خرج أحمد سيد أحمد اج، دخلت هدى بنت باباه
- خرجت لاليا عالي كامرا، دخل كوجوري هارون انݣينوري
جهويا:
- عدل بكرو: خرج احمديت ولد الشين دخل الفضيل ولد سيداتي،
- المذرذرة: خرج الشيخ أحمدو أحمد سالم سيدي دخل أحمد سالم ولد بده
- كرمسين: خرج محمد ولد بلال، دخل المختار كاكيه،
وبخلاف المحاصصة القبلية، كانت المحاصصة العرقية والفئوية مختلة بدرجة لا توصف، فقد نال "البيظان" حظ الأسد - والفهد والنمر وكل السباع – من الحكومة الجديدة، حيث سيطروا على 21 حقيبة من أصل 29، أي نسبة 72.41%، وإن أضفت وزراء الرئاسة يصبح العدد 24 من 33، أي نسبة 72.72%، أما إن أضفت من هم في رتبة وزير فسيسصبح العدد 29 من 37، أي نسبة: 78.37%. ولم تتجاوز حصة الحراطين 4 وزراء (هذه محطة من المحطات التي يخسرون فيها صفتهم كـ"عرب سمر"، وتنغلق الدوائر القبلية أمامهم، وتسد المسالك الجهوية)، كما أن حصة الزنوج بكل أعراقهم توقفت عند 4 وزراء في القائمة الواردة في المرسوم المعين للحكومة، و5 في المجموع.
والمفارقة الصارخة هنا، أن الحديث عن المحاصصة الأولى أي القبلية والجهوية، متقبلة ومسيطرة على جل النقاشات العامة، وفي أفضل – أو في الحقيقة أسوإ – الحالات مسكوت عنها، أما المحاصصة العرقية والفئوية فمتجاهلة، و"مغضوب" على من يتحدث عنه أو يلفت الانتباه إليها..
حملت الحكومة الجديدة إعادة للترتيب البروتكولي، تقهقرت بموجبه وزارات السيادة لتبدأ من الرتبة الرابعة، وإذا كان بالإمكان فهم هذا الإجراءات في إطار تقديم "أولويات" حكومية تتعلق بتمكين الشباب والرياضة والخدمة المدنية، وكذا التكوين المهني، والصناعة التقليدية والحرف، فإن بعضها لا يمكن تفسيره إلا بـتخفيف حدة "الصورة" غير الملونة خلال اجتماع الحكومة، ولذا تم تصدير الحكومة بالأمانة العامة، بعد أن كانت تأتي في ذيل الحكومة دائما.