على أديم تلك الأرض الطيبة المعطاء تعانقت منذ أمد سحيق فضاءات التاريخ ومداءات الجغرافيا، لترسم لوحة بهية اندغمت فيها كل الألوان، وتناغمت على مر العصور والأزمان، وامتدت مع أجيال الرحلة لتؤسس أيقونة حضارية فريدة وسيرورة تاريخية مجيدة وكينونة سوسيولوجية جديدة؛ انبثقت من رحم تلك الصحراء وانبجست من عمقها شلال صفاء ونقاء، ونهر سخاء وعطاء.
إنها ولاية الحوض الشرقي بصلحائها وعلمائها وفرسانها وأمرائها.. بحفاظها وزهادها وفقهائها وقرائها.. بجبالها وهضابها وسهولها ووهادها.. من "ربوع الراجاط والبهكه والكلته والشوفية واظهر".. إلى "كلب انكادى وانواودار".. ومن سهول ووديان "كوش" الخصبة إلى مضارب "لبتان" ومغانى "أكيل" ومرابع " الكركار" الممرعة..! تلك معالم جغرافية شامخة وشاهدة على تراث موسيقي وأدبي، وتاريخ وجداني وعرفاني زاخر، من أسطورة "نوفل" إلى أيقونة "هنون بن بهدل".. ومن فروسية وحاتمية "ولد أعمر ولد اعلى".. إلى كرامات ومناقب وحلم وصلاح "بودمعه الكنتي".. ومن رحلة "محمد يحي الولاتي".. إلى ملحمة وبطولات "ولد عبدوك المشظوفي".. وغزليات الأمير "الشيخ محمد الأمين" وبكائياته الطللية ونسيبه الصافى الرقراق..! وصولا إلى تراجيديا "الكفيه ولد بوسيف".. وغنائياته العذبة وبوحه الشفيف..!
مجرد غيض من فيض هذا الفضاء المضمخة ذاكرته بتراث باذخ من منابت الحلم والعلم والصلاح ومغارس النخل والمجد الفواح؛ حيث تطل لؤلؤة الشرق وسيدة الأرض، ترتدى اليوم حلة التاريخ الجميل وتلبس جوهرة المجد الأثيل؛ فيتعانق فيها ألق الزمان الغابر وسحر المكان الآسر، وهي تستقبل ضيوفها وزوارها بحرارة وحفاوة واحتفال واحتفاء.
الحوض الشرقي أو الولاية الأولى؛ طبقا للتصنيف الإداري الوطني، تتمتع بموقع جيو - ستراتيجي متميز ومقدرات طبيعية ورعوية، وثروة حيوانية هائلة، تشكل مرتكزا أساسيا لمستقبل تنمية الولاية، وخلق نهضة اقتصادية شاملة؛ تؤسس وفق مقاربة استشرافية لتنمية المستقبل؛ عبر تحول جذري يجعل من هذه المنطقة قطبا تنمويا فاعلا على الصعيدين الوطني والإقليمي.
تقع هذه الولاية في الناحية الجنوبية الشرقية من البلاد، مطلة على جمهورية مالى، ويقطنها زهاء نصف مليون نسمة يتوزعون بين ثمان مقاطعات وثلاثة مراكز إدارية وأزيد من ثلاثين بلدية، ويعيشون على مساحة قدرها: 183.000كم مربع، يعتمدون في أهم مواردهم الاقتصادية على الثروة الحيوانية والنشاط الزراعي والتبادل التجاري مع البلدان الإفريقية، وخصوصا مدن جمهورية مالي المحاذية.
لقد عاشت هذه الولاية ردحا من الزمن على هامش التنمية، وعرفت إهمالا من أغلب الأنظمة المتعاقبة والنخب الحاكمة التي كانت تنظر إليها كخزان بشري انتخابي، تتم مكافأته بتسمية أحد أبنائه وزيرا أول، وذلك هو حظها العظيم من كعكة التنمية، في ظل غياب تام للمنشآت الصحية والمؤسسات التعليمية والمرافق الخدمية والطرق والبنى التحتية...
وقد تكون لعنة الجغرافيا والبعد عن المركز (نظرية المركز والأطراف) من ضمن أسباب ما تعيشه الولاية من تخلف تنموي، وشح في الموارد وندرة البرامج التنموية الموجهة إليها، وهي اليوم تحتاج إلى لحظة مراجعة ووقفة "إنصاف" من خلال اجتراح "هامش من التنمية" وتوجيهه إلى "تنمية الهامش"...
وبالنسبة لأطر الولاية وأبنائها ووجهائها وشبابها.. أرجوكم.. أرجوكم..! ابتعدوا من فضلكم عن المظاهر الكرنفالية والمهاترات السياسية والصراعات العبثية والمناكفات العدمية..! قدموا مقارباتكم الرصينة ورؤاكم المستنيرة بين يدي رئيس الجمهورية ووفده حول المداخل الصحيحة والمعايير الموضوعية لتنمية ولايتكم.. تحدثوا عن خصوصياتها وأولوياتها وحاجياتها.. وارتقوا بخطابكم وطروحاتكم.. وانسوا أو تناسوا - على الأقل - خصوماتكم وتجاذباتكم ولو إلى حين من الدهر.
إنكم بذلك تسهمون في بلورة رؤية جهوية لتنمية ولايتكم؛ تشتغل وفق مقاربات مستقبلية استشرافية، قد لا تجنى فوائدها أو تقطف ثمارها بين عشية وضحاها، غير أن جملة من المشاريع الهامة سيتم انطلاقها، لتتواصل المسيرة بخطى واثقة ورصينة ومتدرجة على درب التنمية والازدهار، وفق نظرة استشرافية عميقة وخطة تنموية محكمة تنتهجها السلطات العليا، مستعينة بالله العلي القدير، ومتسلحة بالإرادة السياسية الصارمة والصادقة في سبيل جعل هذه المنطقة وغيرها من ربوع الوطن الحبيب؛ فضاء للإنجاز وحاضنة للتنمية.